الشباب وليالي شهر رمضان

جميل البزوني

عندما ينتهي الإنسان من العمل الشاق تميل نفسه الى الراحة والدعة ويشتاق الى اخذ حريته بعد أن أنهى عمله الصعب وهذا ما كان يشعر به علاء وهو راجع من عمله في محل لبيع الملابس في أحد شوارع النجف المؤدية الى المرقد العلوي.
وكان يشعر برغبة كبيرة في رمي نفسه في بركة من الماء البارد وينام في هناء بعد نهار قضاه بين الزائرين وبينما هو يفكر في الأمر جاءه أحد أصحابه في العمل وقال له: ما رأيك أن تأتي معنا في المساء لنقضي وقتا ممتعا برفقة الأصدقاء؟
لم يشعر علاء برغبة شديدة في الرد لكنه كان يفكر في أمر مشابه فلم يجد شيئا جديدا في كلام صاحبه وبالرغم من ذلك وافق على المجيء.
وعندما أنهى يومه الطويل عاد الى بيته وهو يفكر في كيفية قضاء هذه الليلة مع أصدقائه ولما حان الموعد جاء بصحبة أحد الأصدقاء الذي سكن في نفس الحي الى مكان اللقاء ببقية الأصحاب.
وأول شيء طرحه عليهم بعد أن سلم على الجميع ما هو البرنامج المعد لهذه الليلة؟
رد عليه أحد الأصحاب: القضية لا تحتاج الى برنامج نحن نريد أن نقضي هذا الليل بأي وسيلة ممكنة فلماذا نخطط والهدف واضح وهو قضاء الوقت والترويح عن النفوس؟
قال علاء: أنا لا أوافق على هذا النهج وإنما أريد أن اعرف ما هي الخيارات المتاحة أمامي لأني أريد الاستفادة من الوقت وليس في نيتي قضاء الوقت عبثا كما قلتم.
وبعد اخذ ورد قال احدهم: أنا اعرف الخيارات المتاحة أمامنا لأني من سكنة المنطقة واعرف الفعاليات التي تحصل هنا.
فقال له علاء: تفضل.
قال: توجد هنا عدة أمور منها قراءة دعاء الافتتاح ومنها المشاركة في حضور مجلس حسيني من عدة مجالس تعقد في كل ليلة ومنها المحافل القرآنية التي تعقد في الصحن الشريف ومنها الزيارة وصلاة الليلة المعينة من شهر رمضان وهكذا ومنها أن نبقى نمشي في الشوارع بدون هدف واضح وهذا ما يقوم به أكثر الشباب غير الصائمين.
قال علاء: هذه الخيارات لا بأس بها وهي تناسبني تماما.
رد آخر: ما هذا الكلام توقعت أن تذهبوا بنا الى إحدى الحدائق نلعب لعبة (المحيبس) أو نشرب (النارجيلة) في إحدى المقاهي.
امتعض علاء من هذا التصريح وطلب من أصحابه أن يحددوا موقفهم من الخيارات التي ذُكرت حتى لا ينتهي الليل وهم يتحاورون بلا فائدة.
قال أحدهم: لا داعي لذلك نحن نجتمع لأول مرة وعلينا أن نفترق وكل واحد يختار ما يريد ثم نجتمع غدا صباحا وكل واحد يقنع أصحابه بما توصل إليه من رأي فماذا تقولون؟
وافق علاء مباشرة على هذا الكلام وانتشروا في المكان واتفقوا على اللقاء في اليوم التالي.
اخذ علاء طريقه الى باب الصحن الشريف وتخطى الباب الأول ليقف زائرا بين يدي الله تعالى عن والديه وعن كل المؤمنين، ثم اخذ يتجول في المكان باحثا عن الخيارات الأخرى بعد أن صلى صلاة الزيارة.
ووصل الى محل معد لمحاضرة دينية فجلس بعد أن أخذ مصحفا ليقرأ القرآن استكمالاً لختمته التي بدأها منذ بداية الشهر الكريم.
وحضر المجلس وبكى بحرقة واضحة لمصيبة سيد الشهداء ولأنه لأنه تذكر كيف انه كان يقضي بعض هذه الساعات إما نائما وإما مشاهدا للتلفاز يتابع بعض المسلسلات.
وفي وقت لاحق بدأت التحضيرات لمحفل قرآني ففرح علاء جدا بذلك واخذ مصحفا وهو ينظر الى الأطفال وهم يستعدون للمشاركة في المحفل وتمنى لو يعود به الوقت فيكون واحدا منهم.
وعندما بدأت القراءة أخذ يتابع ويقرأ معهم وهو يشعر بسعادة لا توصف لأنّ هذه الليلة ستكون مميزة في حياته فقد بدأها بالزيارة ثم بالمحاضرة ثم ختمها بالمحفل القرآني.
عاد علاء في اليوم التالي وهو منشرح النفس فقد قضى ليله في يمن وبركة وحان وقت اللقاء مع الأصحاب وعندما اجتمعوا بادر صاحب الفكرة بالحديث قائلا: أريد منكم جميعا أن تبيّنوا لنا كيف قضيتم الليلة الماضية.
شرع الأصحاب بالكلام فمنم من قضاها في المقاهي مع التدخين واللعب ومنهم من قضاها في المشي والأكل طوال الليل ليعوض عن ساعات الجوع في النهار وهكذا …
ولما وصل الدور الى علاء بقي ساكتا فقالوا له تكلم فقد حان دورك، قال علاء: الحمد لله على توفيقه لقضاء ليلة البارحة في طاعته التي فاتتني في السنوات الماضية واستمر قائلاً: كنت أظن إني فقدت الطريق لما وجدت نفسي أضيع وقتي في متابعة المسلسلات الكثيرة حتى يحين وقت السحور ولكني اكتشفت في الليلة الماضية أن هناك نعمة نجهلها وهي نعمة الوقت وعلي أن استغل كل دقيقة منه في طاعة الله والتعويض عن الأوقات الماضية فقد عادت لي الحياة لما وجدت نفسي ازور مشتاقا ثم ابكي على مصاب أئمتي بلوعة ثم ختمت الأمر مع تلاوة القرآن والاستغفار فأي غنيمة أدركت وأنا قضيت وقتي في طاعة الله تعالى.

نشرت في الولاية العدد 106

مقالات ذات صله