الإسلام دين المعاملة

أحمد ال محمود الموسوي

ان شخصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) الجاذبة للآخرين وما تميزت به من صفاة انسانية عظيمة اخرى ، كان الد أعدائه يقع تحت تأثيره كونه تعامل مع الاخرين بسياقات و لياقات اسلامية جذبت له المحبين و المريدين بصورة عجيبة و هذه السمة كانت لها مردودات في اطفاء العديد من الفتن التي تقع بين المسلمين والمعادين لهم آنذاك ومن بين تلك المواقف التي اسلم بها مجموع من الكفار بسبب حسن معاملة رسول الله (صلى الله عليه وآله) هي غزو بني المصطلق.

في الحروب التي كانت تقع بين المسلمين والمخالفين في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت تعامل المسلمين مع الطرف الاخر تحت اشراف ودراية الرسول محمد التي كان يستمدها من تعاليم ومبادئ الدين الاسلامي التي من خلالها حفظ كرامة الانسان حتى في احلك الظروف وهي ظروف الحرب التي تضيع فيها عادة السلوكيات المنضبطة و تصدر من الكثير من الناس بعد الاخطاء بسبب شدة الاوضاع التي يمر بها الانسان في تلك اللحظة

سبب الغزوة:
وسبب هذه الغزوة ان بني المصطلق كانوا ينزلون على بئر يقال لها: المريسيع، من ناحية قديد الى الساحل، وكان سيدهم الحارث بن ابي ضرار دعا قومه ومن قدر عليه من العرب الى حرب رسول الله صلى الله عليه وآله، فأجابوه، وتجمعوا وابتاعوا خيلا وسلاحا، وتهيأوا للحرب والمسير معه.
فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله الخبر، فأرسل بريدة بن الحصيب السلمي ليتحقق ذلك، فأتاهم، ولقي الحارث وكلمه، مظهرا انه منهم، وقد سمع بجمعهم، ويريد الانضمام بقومه، ومن اطاعه اليهم، وعرف منهم صدق ما بلغهم عنهم، فرجع الى رسول الله فأخبرهم بأنهم يريدون الحرب، فلما اخبر بريدة النبي صلى الله عليه وآله بصحة ما بلغه دعا صلى الله عليه وآله الناس فأسرعوا للخروج، فخرج معه سبعمئة ومنهم ثلاثون فارسا منها عشرة للمهاجرين وعشرون للأنصار.

المعركة ونتائجها:
خرج رسول الله صلى الله عليه وآله في جمع من اصحابه حتى لقيهم عند ماء يدعى (المريسيع) ونشبت الحرب بينهم وبين المسلمين، ولكن صمود المسلمين وبسالتهم التي كانت قد أرعبت قلوب قبائل العرب تسببت في ان لا يطول القتال بين المسلمين وبين بني المصطلق فتفرق جيش العدو بان قتل منهم عشرة رجال، كما وقتل رجل مسلم خطأ، فصاب المسلمون غنائم كثيرة وسبوا جماعة كبيرة من نساء بني المصطلق. (تاريخ الطبري: 2/260)
وقتل فيها علي مالكا وابنه، وسبي علي جويرية بنت الحارث بن ابي ضرار، فجاء بها الى النبي صلى الله عليه وآله فاصطفاها لنفسه، فجاء ابوها الى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله ان ابنتي لا تسبى، انها امرأة كريمة فقال: اذهب فخيرها، فقال: لقد احسنت واجملت، فاختارت رسول الله، فاعتقها(كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء للشيخ جعفر كاشف الغطاء: 1/112).
فلما رأى الحارث هذا الفعل من رسول الله صلى الله عليه وآله آمن هو ووالده به، وأسلم ناس آخرون من قومه كانوا معه فأسلمت هي أيضا.

الزواج المبارك:
خطب رسول الله صلى الله عليه جويرية بنت الحارث الى ابيها، فزوجه اياها، واصدقها اربعمئة درهم، فلما بلغ الناس ان رسول الله صلى الله عليه وآله تزوج جويرية بنت الحارث وكان بأيديهم بعض الأسرى من بني المصطلق قالوا: اصطهار رسول الله صلى الله عليه وآله فاطلقوا ما كان بأيديهم من أولئك الأسرى وكانوا مئة عائلة، فما علم امراة اعظم بركة على قومها منها، فقد اعتق بتزويجه اياها مئة أهل بيت من بني المصطلق، وكان ذلك سببا في اسلام قبيلة بني المصطلق فكان نصرا للمسلمين.
وهكذا اطلق جميع اسرى بني المصطلق الذين كانوا بأيدي المسلمين رجالا ونساء بفضل ذلك الزواج المبارك.

لماذا تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جويرية بنت الحارث؟
ان النبي صلى الله عليه وآله عندما قاتل بني المصطلق لا لأجل ابادتهم او سلبهم بل لإسلامهم لأنهم كانوا كفار وحلفاء قريش آنذاك ولأنهم أعلنوا الحرب ضد رسول الله صلى الله عليه وآله.
كان العرب سابقا في احدى سلوكياتهم اذا ارادوا ان يتقربوا الى شخص ما، او يقصدون مصلحة ما، يتصاهرون وهذا أمر متبع عندهم وفيه شواهد كثيرة فلولا زواج رسول الله صلى الله عليه وآله من ابنة الحارث بالطريقة المحترمة والمعبرة عن احترام النبي للإنسان كانسان، لما كان الحارث وابنته وقبيلته قد أسلموا وآمنوا به وكان هذا سبب الزواج منها دون غيرها من نساء بني المصطلق.

نشرت في الولاية العدد 108

مقالات ذات صله