زينب ساهي
تعد قضية المرأة من أهم القضايا التي شغلت المفكرين وبخاصة في الوقت الحاضر، لأن المرأة لها دور كبير في المجتمع فهي تعد نصف المجتمع، فهي الأم التي هي نبع الحنان والعطاء والأمومة وهي سر الإنسانية وهي الزوجة التي تعدّ الطاقة والقوة والفكر والإنتاج وهي البنت والأخت.
عندما جاء الإسلام أكرم المرأة واعزها وكفل لها جميع حقوقها وحدد لها واجباتها بعدما كانت تعاني من ظلم واضطهاد وحرمان فأعطاها الإسلام الحرية والعدل، كانت المرأة قبل الإسلام لا تحظى بالاستقلال والحرية بل كانت تحتقر، بل تدفن وهي حية.
كانت المرأة لا تملك حقا في تقرير مصيرها ولا حرية في التعبير عن انسانيتها وإنما كان مصيرها مقررا على ضوء عادات منحرفة وقيم بالية، وبلغ الأمر ان الأقوام الجاهلية كانوا يعدنّ الانثى أسوَء شيء يبشرون به (شمس الدين، المرأة في الجاهلية والإسلام: 13).
قال تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) (النحل/58/59) ويلاحظ بوضوح ارتكاب افضع جناية ترتكب تحت ذريعة الدفاع عن الشرف والناموس فكانت النتيجة ظهور بدعة وأد البنات القبيحة وانتشارها بين جمع منهم حتى أصبحت سنة (جاهلية الشيرازي، ناصر مكارم، تفسير الأمثل: 1/220).
عندما نزل القرآن الكريم أسس أساسا متينا لقواعد ضمن من خلالها حقوق المرأة الإنسانية كاملة فجعلها شريكة للرجل في الحياة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات/13).
فالإسلام ساوى الرجل والمرأة في الإنسانية، مؤكدا على وحدة النوع فهما بالإنسانية سواء قال تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين/4).
فالرجل والمرأة متساويان في التكريم على سائر الكائنات، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء/70) وبهذا تكون المرأة كالرجل أهلا لكل أسباب التكريم.
لكن القرآن جعل للمرأة مكانة ووظيفة وجعل للرجل مكانة ووظيفة فالمرأة تساوي الرجل في المكانة ولكن تختلف معه في الوظيفة.
والاختلاف في الوظائف لا يعني أن هناك انتقاصا وتحقيرا للمرأة فمثلا القيمومة جعلها الله تعالى للرجل على المرأة، وذلك ليس مجافاة لشأن المرأة، وإنما لحفظ الأسرة وصيانتها من التمزق فإن المرأة اعدتها الحكمة الإلهية للعمل والولادة وإدارة شؤون البيت، وليس لها القدرة على السيطرة على الأبناء هفي تذوب أمامهم بحكم عاطفتها فلا تتمكن من حفظهم من الشذوذ والانحراف.
فالقوامة تعني سلامة الأسرة والحفاظ عليها بأنه أقوى من المرأة واشد مراسا وتكوينا منها، فلذا جعلت له هذه المكانة (القرشي، باقر شريف، المرأة في رحاب الإسلام:72).
فالقوامة ليست انتقاصاً من شأن المرأة لكنه أمر لا يتناسب مع تكوينها النفسي والجسدي، فرعاية بحالها جعل الله تعالى القوامة للرجل.
من جانب آخر ترى القرآن الكريم يوصي بالمرأة ويحث على اكرامها وبرها قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (الاحقاف/15) قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء/19).
ونلاحظ أيضا ان هناك عدالة في الخطاب لكلا الجنسين، مثل قوله تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ الله كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ الله لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الاحزاب/35).
ففي الآية حركة القيمة امام الله بين الرجل والمرأة القيمة واحدة وهي نفسها عند الرجل والمرأة، والثواب واحد يشملهما حقا، والدعوة الى الالتزام واحدة ايضا، وعواقب الأعمال واحدة لكليهما قال تعالى: (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى) (آل عمران/195).
اذن نحن لا نجد في القرآن خطا فكريا يفضل في المسؤولية وفي نتائجها رجلا على امرأة، الا مقياس التفاضل والارتقاء الذي يضعه القرآن مقياس علم للنوع الإنساني يشمل المرأة والرجل على حد سواء وبالتالي فإن الاختلاف ليس اختلافا في القيمة الإنسانية بل في العمل، بل الاسلام اكرم المرأة واحترمها ومنحها حقوقها كاملة وحرم وأد البنات، واعطاها حقها في الميراث وأخذ بشهادتها أمام القضاء وجعل لها حقاً في التعليم وجهله فريضة عليها كما جعله فريضة على الرجل، وجعل الرجل قيماً عليها من اجل مساندتها والوقوف إلى جانبها بأنها مخلوق رقيق فمن اجل الحفاظ عليها جعل الرجل قيما عليها.
إذن المرأة لن تسعد ولن تهنأ ولم تحقق ذاتها ولم تشعر بعزتها وكرامتها الا في ظل القانون الإسلامي.
نشرت في الولاية العدد 110