أفعال الله تعالى معللة بالأغراض

إنَّ من جملة ما أثارته منهجية التفكير الفلسفي والكلامي على مستوى الداخل الإسلامي هو هل أنَّ أفعال الله تعالى لها أغراض أو لا؟
والمقصود بأفعال الله تعالى هو مُطلق ما منحه من الوجود والخلق والتكوين.
وأما الغرض فهو الغاية من الفعل الذي يقدم عليه فاعله وهو الله تعالى.
أو هو المصلحة المُترتبة على الفعل من حيث أنَّ لأجلها أقدمَ الفاعلُ على الفعل.
وهذا الجدل الفلسفي والكلامي قد أخذ أيضاً منحى عقائدياً بُنيوياً في منظومة كل فرقة كلامية آنذاك فعلى أثر ذلك قالت الأشاعرة بإستحالة تعليل أفعال الله تعالى بالأغراض والمقاصد.
بحجة أنَّ كل فاعل لغرضاً وقصداً وإلا فإنه ناقص بذاته ومُستَكملٌ بذلك الغرض والله تعالى يستحيل عليه النقصان.
قال الآمدي: (مذهب أهل الحق أن الباري تعالى خلق العالم وأبدعه لا لغاية يستند الإبداع إليها، ولا لحكمة يتوقف الخلق عليها بل كل ما أبدعه من خير وشر ونفع وضر لم يكن لغرض قاده إليه، ولا لمقصد أوجب الفعل عليه): غاية المرام في علم الكلام: الآمدي(631)هجري:ص224:
انظر: المواقف: الإيجي (756) هجري: ص231:
وقد ردَّ المُحققُ الطوسي(رحمه الله تعالى)(672)هجري على مذهب الأشاعرة الباطل عقلاً وشرعاً قائلاً: (إنَّ الله تعالى يفعل لغرض ونفي الغرض يستلزم العبث ولا يلزم عوده إليه) وقد علّق العلامة الحلي (رحمه الله تعالى) على مبنى أستاذه المحقق الطوسي وقال: (إنَّ كل فعل لايقع لغرض فإنه عبث والعبث قبيح واللهُ تعالى يستحيل منه القبح على ماثبت عقلا ثمَّ ردَّ على زعم الأشاعرة وهو أنَّ أفعال الله إذا كانت معللة بالأغراض فيستلزم النقصان في ذاته والإستكمال بطلب الغرض.
وحاججهم العلامة الحلي وقال: إنَّ النقص إنما يلزم على الله تعالى فيما لو عاد الغرض من الفعل والنفع إليه.
أما إذا كان الغرض عائداً إلى غيره فلا يستلزم النقص في ذاته سبحانه ولا الاستكمال بالغرض وتحقيقهما تقول إنه تعالى خلق العالم لنفعهم (كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: العلامة الحلي: ص188: بتصرف مني)، وإنَّ من الفرق الكلامية من اتفقت كلمتهم مع الإمامية الإثني عشرية في هذا المنحى العقلاني السليم هي فرقة المعتزلة التي قالت بتعليل أفعال الله تعالى وغرضيتها.
قال القاضي عبدالجبار المعتزلي: (إنَّ الله سبحانه ابتدأ الخلق لعلة، نريد بذلك وجه الحكمة الذي له حسن منه الخلق، فيبطل على هذا الوجه قول من قال: إنه تعالى خلق الخلق لا لعلة، لما فيه من إيهام أنه خلقهم عبثا، لا لوجه تقتضيه الحكمة. وذلك – أي نقص من يفعل لا لغرض – ظاهر في الشاهد لأن الواحد إذا أراد النيل من غيره قال عنه: إنه يفعل الأفعال لا لعلة ولا لمعنى. فيقوم هذا القول مقام أن يقال: إنه يعبث في أفعاله، وإذا به في المدح يقول: إن فلانا يفعل أفعاله لعلة صحيحة ولمعنى حسن) المُغني في أبواب العدل والتوحيد: القاضي عبد الجبار المعتزلي(425) هجري: ج11: ص92:93)
وقد أقامتْ مدرسة الإمامية الحقة الأدلة النقلية والعقلية على حقانية مقولة أنَّ أفعال الله تعالى مُعللة بالأغراض والمقاصد.
وذكرتْ جملة من الآيات القرآنية الظاهرة في حقانية ما ذهبتْ إليه عقدياً.
ومنها قوله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)(المؤمنون115)
وهذه الآية الشريفة هي نصٌ في نفي العبث عن أفعال الله تعالى وثبوت الحكمة والعلة والقصد فيها .
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات56)
(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ)(ص27).
وأما الدليل العقلي على حقانية أنَّ أفعال الله تعالى هي مُعللة بالأغراض والمقاصد والحكمة والهدف فهو أنه لولا التعليل الحكمي والقصدي في أفعال الله تعالى لَزِمَ أن يكون الله وحاشاه عابثا وكون الله تعالى عابثا هو أمرٌ باطل عقلا ونقلاً وبالنتيجة يبطل زعم الأشاعرة في عدم حكمية وقصدية أفعال الله تعالى وغرضيتها.
ذلك لأنَّ العبث قبيح عقلاً والقبيح لا يتعاطاه الحكيم أبدا.
الله تعالى هو كاملٌ من جميع الجهات وغني مطلقا فقطعاً أنَّ أفعاله تكون في غرضها وقصدها وحكمتها عائدة إما إلى نفس مخلوقاته ومنها الإنسان أو لاقتضاء نظام الوجود ذلك و قيامه على أساس المصالح والأغراض النفعية والحكمية العائدة إلى ما سوى الله تعالى.
إذاً على أساس ما تقدّم يجب الاعتقاد جزماً بأنَّ لله تعالى أغراضاً وقصوداً وحكمةً وأهدافا ومَصالحاً في إيجاده لكل ما خلقه وكوَّنه وسواه.

نشرت في الولاية العدد 112

مقالات ذات صله