الإنتاج الزراعي في القرآن

إبراهيم علي العيساوي

يعد القرآن الكريم من أهم مصادر العلوم النظرية والتطبيقية، وعلم الجغرافية الزراعية أحد هذه العلوم التي اشار اليها القرآن الكريم في الكثير من آياته وعلى هذا الأساس تم اختيار البحث الموسوم ((تحليل جغرافي للإنتاج الزراعي النباتي في القرآن الكريم)) وذلك من أجل تسليط الضوء على أبرز العوامل الجغرافية بشقيها الطبيعي والبشري ومدى تأثيرها على الإنتاج الزراعي كماً ونوعاً وكذلك تأثيرها على تقسيم المحاصيل الزراعية تبعاً لمواسم زراعتها وأهميتها الإقتصادية أو الغرض من زراعتها.

قسَّم القرآن الكريم المحاصيل الزراعية تبعا لأهميتها الاقتصادية ومواسم زراعتها الى ما يأتي : –
1- محاصيل الحبوب
وتشمل محاصيل القمح والشعير والرز والذرة البيضاء والصفراء حيث قال تعالى ((وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ)) سورة يس الآية (33) ..
2- محاصيل البقول والخضروات
تشمل محاصيل الباقلاء والفاصولياء والعدس واللوبيا حيث قال تعالى ((وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا))سورة البقرة الآية (61) .فالباقلاء والعدس تصنف ضمن المحاصيل البقولية والقثاء (الخيار ) والفوم (الثوم) والبصل تصنف ضمن محاصيل الخضروات..

3- أشجار الفاكهة
وتشمل أشجار التين والزيتون والعنب والرمان حيث قال تعالى (( وَالتِينِ وَالزّيْتُونْ)) سورة التين الآية (1) و ((وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۗ انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ))سورة الانعام الآية (99)
العوامل الجغرافية المؤثرة في الإنتاج الزراعي:
اولا : العوامل الجغرافية الطبيعية:
للعوامل الجغرافية الطبيعية تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الانتاج الزراعي إذ أنها هي التي تحدد مدى صلاحية زراعه المحاصيل في جميع مناطق العالم وتحدد مواسم نموها (شتويه – صيفية – ربيعية – خريفية)) يأتي عامل درجات الحرارة في مقدمة هذه العوامل من حيث التأثير سلبا او إيجابا على المحاصيل الزراعية وقد اشار القرآن الكريم الى الشمس التي تعد المصدر الأساس للضوء ودرجات الحرارة بقوله تعالى ((هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا)) سورة يونس الآية (5).
ان الغيث بمختلف أشكاله يعد من العوامل الجغرافية للطبيعة المؤثرة في الانتاج الزراعي والذي يتمثل بالرطوبة النسبية والأمطار والندى فالأمطار التي تعتمد عليها الزراعة في المناطق الديمية التي يزيد فيها المعدل عن (250 ملم) تتساقط نتيجة تكون السحب خاصة السحب الركامية التي تظهر على شكل طبقات من الغيوم إذ ان الرياح الصاعدة تحمل شحنات كهربائية موجبة تؤدي الى تحول بخار الماء الى قطرات تتساقط على شكل أمطار كما قال تعالى: ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا) سورة النور الآية (43).. وقال تعالى: ((وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ* وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ)) سورة ق الآية (9-10).
فضلا عن ذلك تؤثر الرياح بشكل كبير على الإنتاج الزراعي من خلال دورها في تكون السحب التي تعد مصدر الأمطار المتساقطة حيث قال تعالى: ((وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)) سورة الاعراف الآية (57) كما ان الرياح تقوم بعملية التلقيح الطبيعي للنباتات حيث قال تعالى: ((وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ)) سورة الحجر الآية (22).
أشار القرآن الكريم الى التربة التي تُعرف على أنّها الطبقة الهشة التي تنمو فيها المحاصيل الزراعية ولما لها من دور كبير في زيادة كمية الانتاج الزراعي وذلك من خلال نوعيتها إذ أن التربة المزيجية القليلة الأملاح تصلح لزراعة جميع المحاصيل بدون استثناء حيث قال تعالى: ((وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ)) سورة البقرة الآية (265).. فضلاً عن ذلك تتأثر عملية الإنبات بنوعية التربة فالتربة التي تزداد قابليتها على الاحتفاظ بالماء لاستواء سطحها وقدرتها العالية على عملية الامتصاص تعد تربة ذات انتاجية زراعية عالية حيث قال تعالى: ((وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)) سورة الحج الآية (5).
تُصنّف التربة من حيث طبيعة السطح الى عدّة أنواع منها تربة متموجة وتربة سهلية والتي تعد من أفضل انواع التربة حيث يمكن من خلالها التوسع في المساحات المزروعة وممارسة جميع الأساليب الزراعية بسبب انبساطها حيث قال تعالى: ((وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ)) سورة الذاريات الآية (48), وقوله تعالى: ((الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا)) سورة البقرة الآية (22) .. كما ان التربة المنبسطة بالإمكان انشاء طرق النقل والمواصلات فيها مقارنة بالتربة الواقعة في المناطق الجبلية حيث قال تعالى: ((الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا))سورة طه الآية (53).
تظهر الموارد المائية على أشكال عدة منها: الموارد المائية السطحية كالأنهار والينابيع والعيون ومنها المياه الجوفية والتي يعد تأثيرها كبيرا جدا على الانتاج الزراعي من خلال ما توفره من مياه الري حيث أشار القرآن الكريم الى الأنهار بقوله تعالى: ((أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا) سورة الرعد الآية (17) والينابيع: ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ)) سورة الزمر الآية (21). والعيون: ((وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ)) سورة القمر الآية (12) اذ ان هذه المياه هي التي تساعد على عملية الإنبات وذلك من خلال جعل التربة هشة لتشبعها بالرطوبة ومن ثم حصولها على المواد الغذائية اللازمة لعملية النمو حيث قال تعالى: ((أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا)) سوره عبس الآية (25 – 29) ..
ثانيا: العوامل الجغرافية البشرية
هناك العديد من العوامل الجغرافية والبشرية تؤثر على نوعية وكمية الانتاج الزراعي يأتي في مقدمتها الأساليب الزراعية المتمثلة بحراثة التربة وتنعيمها وشق القنوات الإروائية ونظم الري والتسميد وغيرها حيث أشار القرآن الكريم الى عملية حراثة التربة باعتبارها الأسلوب الزراعي الأول الذي تحتاجه المحاصيل حيث قال تعالى: ((أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ* أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ)) و ((قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ)) سورة البقرة الآية (71) , كما اشار القرآن الكريم الى أهميه عملية النقل في الانتاج الزراعي من خلال توفير المستلزمات الزراعية أو تصدير الانتاج كالنقل البحري حيث قال تعالى: ((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ)) سوره البقرة الآية (164).
والنقل البري حيث قال تعالى ((وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ* وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ* وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)) سورة النحل الآية(6-8).
كما أشار القرآن الكريم الى عملية الحصاد وتخزين الانتاج بقوله تعالى: ((قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ)) سورة يوسف الآية (47)..

نشرت في الولاية العدد 114

مقالات ذات صله