د. أحمد عبيد السلطاني
يعد النشاط الثقافي الأدبي والشعري أبرز أنماط النشاط اللغوي ، إذ يبقى الموهوب في هذا الجانب على اتصال دائم بثقافة أمته وشعبه وتراثه ، ويؤكد علماء النفس على ضرورة الربط بين حسن التفكير وجودة التعبير الثقافي الشعري ، إذ يرون إنهما مظهران لعملية عقلية واحدة ، فنمو كل منها مرتبط بنمو الآخر ، وكلاهما مرتبط بالخبرات التي يعيشها الفرد في حياته ، وعندما يكون التعبير صادقاً لا بد أن يثير في النفس الأحاسيس والذكريات والمشاعر ، ولعل بعضهم يشير إلى إن ما يميز الإنسانية هو ذلك الاستخدام المبدع للنظم التي توظف في تحويل الأفكار والمشاعر إلى كلمات وجمل .
التدريب على التفكير المنظم
ومن البديهي أن ترتبط أهداف التعبير بأهداف تعليم اللغة العربية ارتباطاً قوياً ، ذلك أن التعبير هو المحصلة النهائية لدراسة اللغة العربية بجميع مهاراتها . وتتمثل أهداف تعليم التعبير بصورة عامة في تدريب الطلاب على التعبير عن حاجاتهم ومشاعرهم وخبراتهم بشكل صحيح ، وتهيئة الطلاب لمواجهة المواقف الحياتية المختلفة التي تستلزم التعبير وتدريبهم على التفكير المنطقي المنظم مما يمنحه مساحة للإبداع والتجديد ثم ممارسة جميع أنواع النشاط اللغوي التي تتطلبها المواقف المجتمعية .
ويمكن تحديد مجموعة أهداف خاصة لتعليم التعبير في العملية التربوية كتزويد المتعلم بالقدرة على التعبير بلغة سليمة تراعي قواعد الاستخدام الجيد لأنظمة اللغة التركيبية والصرفية والدلالية ، وتمكين المتعلم من التعبير عن أفكاره وأحاسيسه وانفعالاته وعواطفه بشكل راق ورفيع ومؤثر قيه سعة الأفق ورحابة الإبداع ، وتمكين المتعلم من توسيع دائرة معارفه وأفكاره من خلال رجوعه الى المكتبات ومصادر المعلومات والبحث في موضوعات متنوعة في كتب الأدب واللغة ، والسعي الى إكساب الطالب القدرة على ممارسة التفكير المنطقي في عرض أفكاره وتسلسلها والبرهنة عليها لتكون مؤثرة في نفس المتلقي ، فضلا عن تنمية حساسية المتعلم لمواجهة المواقف الحياتية المختلفة مثل كتابة الرسائل والمذكرات والخواطر والمقالات والمحادثات والمناقشات وجميع أنواع النشاط اللغوي التي تسهم في تكيف المتعلم مع المجتمع .
شروط تعليم التعبير
ولكي تنجح عملية ممارسة التعبير اللغوي لدى المتعلم فأن ذلك يستلزم شروط تعليم التعبير التي تتأتى من خلال ، توفر المادة المراد الكتابة حولها كالفكرة أو المثل أو القصة أو الأسطورة وما هو متخيل والقدرة على التميز والملاحظة مما يستلزم ضرورة تنمية دقة الملاحظة لدى المتعلم ، ومن خلال امتلاك وسائل تقنية لإخراج الفكرة على أحسن صورها ، وهنا تأتي تمارين بناء الجمل ذات الصبغة الأدبية مع مراعاة عدم المغالاة بها خوفاً من الوقوع في التكلف ، ولا بد من توفر الدافعية باتجاهين هما : شخصية المعلم الذي يعرف كيفية إيقاظ مشاعر طلابه نحو مادة ألكتابه وأن يحترم إبداعات طلابه ويعززها ، وشخصية المتعلم أي أن يكون دقيق الملاحظة يستطيع اختيار موضوع كتابته والتعبير عنه بسلاسة ودقة . وهذا يستدعي اطلاع المتعلم على ما يحيط به ورجوعه إلى المصادر المعرفة والاطلاع على موضوعات مختلفة ومتنوعة .
تطور الفكر التربوي
ان الهدف الأساسي للفكر التربوي يستند بالضرورة إلى عملية التواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل من جهة والتفاعل مع معطيات المجتمعات البشرية، على اختلاف نماذجها زمانياً ومكانياً، أي البحث في مضامين الفكر التربوي العالمي، في تطلعاته وأغراضه، بما يتناسب وطبيعة المجتمع العربي، وتقع في أطار الأنسنة بحيث يتحول هذا التفاعل باتجاه تطوير النظريات المحلية، وهنا نجد أن مفهوم التربية في الثقافات التاريخية الأولى لم يكن واحداَ، فمفهوم التربية في الصين مثلاً تعتبر عملية التربية تلخيص للماضي وعاداته وتقاليده وتركيز حياة الفرد على الماضي كي لا يتخطاه، وان تحدد للفرد في كل مرحلة دراسية ما يعمل وما يشعر به وما يفكر به، وهي ترسم له الطريقة المثلى التي يتم بها العمل وكيفية التعبير عن انفعالاته.
التربية واتجاهاتها التقليدية
أما مفهوم الثقافة التربوية في اليونان القديمة فهي أكثر حيوية، وبسبب الموقع الجغرافي ، فقد كان المثل التربوي الأعلى هو إعداد المحاربين والتركيز على التربية البدنية وأما الشعر والموسيقى والأناشيد فهي وسيلة لتقوية الإعداد العسكري وتعزيز الروح المعنوية، وقد أنتقد أرسطو في سياسته ( دولة اسبارطة ومثيلاتها ) في هذا الجانب. أما الرومان كان هدفهم أعداد المواطن ليكون أهلا لهذه المواطنة في حياته العملية. وعندما جاءت المسيحية التي تميزت بنظام تربوي رهباني لاهوتي صارم، يقدر العلم والعمل اليدوي، إذ كان في كل دير مدرسة يتعلم فيها الطلاب القراءة والكتابة مبادئ الحساب والنحو والمنطق والبلاغة والأدب والفلك والموسيقى، لذا استطاعت أن توفق بين العلم والدين، ولعل أعظم منجزات العصر الوسيط هو نشأة الجامعات الأوربية مثل جامعة باريس وجامعة أكسفورد في بريطانيا. وفي القرن السابع عشر ظهرت ثلاثة مذاهب في الجانب التربوي هي، المذهب الإنساني الواقعي، والمذهب الاجتماعي الواقعي، والمذهب الحسي الواقعي.
وكان المذهب الأول يعتمد على تنمية وتطوير وبناء الشخصية الفردية الصالحة والقادرة على العمل وتحقيق العدل في أوقات الحرب والسلم. أما المذهب الثاني يعتمد على تنمية الشخصية الاجتماعية النبيلة البرجوازية المتعلمة والمهذبة المدنية، مع التأكيد على السفر والرحلات استعداد لحياة سعيدة وناجحة. والمذهب الثالث هو الذي أرسى دعائم وأسس التربية الحديثة من خلال احترام العلوم الطبيعية واستخدام المناهج العلمية للمعرفة القائمة عل الملاحظة والتجريب .
نشرت في الولاية العدد 116