ثامر كريم الخالدي
حمل راية علي وللمشرعة إتعنه
ملك ماي الفرات وما شــرب منــه
رأينا ان يكون هذا البيت اول خفقة للراية الاسلامية على ارض الغاضرية مع العلم ان الكل يعلم ما للراية من بداية قبل هذه البداية، وهذا هو موضوعنا الذي استوحيناه من قراءتنا(للمنظورات الحسينية) للشاعر المرحوم كاظم المنظور الكربلائي، بجزئها الرابع التي تتحدث عن راية العباس عليه السلام
الراية واستخلافها:
في كل المعارك الراية هي الشعار الاول والاخير وهي مختصر للعهد والشهادة وما كان او يكون من مساحة زمانية او مكانية وحوادث ما بينهما، فالراية التي خط عليها (لا اله الا الله) هي راية التوحيد وهي راية المصطفى حامل هذه الراية الالهية لأن الرسول الاعظم صلوات ربي عليه وعلى اله قد نادى لهذا الشعار السرمدي (قولوا لا اله الا الله تفلحوا) إذن فالراية محمدية علوية فاطمية حسينية حسنية (عباسية) توحيدية فهل يا ترى من خلاف لهذا الاستخلاف؟ وان الراية بحقيقتها ليست قطعة القماش والخشبة التي تحملها ولكنها الانسان الذي استطاع ان يكون هو الراية وهو الشعار الاول والاخير في معركة التوحيد ضد الشرك فالتحدث عن راية العباس هو بحقيقة القضية التحدث عن العباس عليه السلام : حيث يقول الحسين عليه السلام (كان لي العباس كما كان علي لجدي محمد) واعتقد ان هذا يكفي كل صاحب لب ان يعرف معنى الخلافة والاستخلاف، في هذا المعنى يتناهى منظور الكربلائي ويقتطف من فضاءات العباس وردة رائعة العطر ليهديها للناس عطرا لأيامهم التي افتقدت مثل هذه الورد فهو يقول في القصيدة الثانية من الجزء الرابع (او نشر للإسلام راية نشرة فروعة او اصوله) او جزء فبلغ المراد وما الدين الا أصول وفروع، فالعباس كان اصلاً حيث جسد ذلك .
حيث آراد منه الشمر اللعين ان يترك معسكر الحسين ويتجه اليهم حينما ناداه (يبن اختنا) فهذا كان الرد ؟ ان هذا البيت يجيب على ذلك (انا خلقت لنصرة هذا المظلوم) إذن فوجودي من وجوده العظيم فلولا الحسين ومسيره الى كربلاء، لا تستطيعون التمييز بين الله تعالى والشيطان. وقد تجلى هذا المعنى ايضاً من الرد القاصم للعباس عليه السلام في البيت التالي (حمل تاج القيادة – على امتون الشهادة) فلو لم يكن شاهدا مستشهدا على حمله لم يستطع حمله ولو لم يكن عارفا معنى الحسين ومعنى القدوم الى كربلاء ولو لم يكن يعرف ان كربلاء هي احد والخندق لما كان العباس احتاج القيادة، هي الراية التي كانت العهد والصدق على العهد والشهادة من اجل العهد فخلد العباس بخلود تلك الوقفة العظيمة وهذا التاج حمله ابوه الامام علي عليه السلام مع رسول الله المصطفى ذو الرسالة والوقفة العظيمة وما ذلك الا الاستخلاف الذي وضع في موضعه، ثم يتجه الشاعر صوب مصدر النور ليرى ان (گـمر هاشم ) ليست تسمية ملامح جمالية ظاهرة على وجهه وانما هي (اصل وفروع الدين) فيقول في القصيدة الثانية من هذا الجزء بمشاعر خفية تظهر رويدا رويدا ان استخلاف النور ليس من (أب وأم) اي ملامح كروموسومية وراية وانما هي ملامح (الاصول والفروع) فيقول شاعرنا (اتبصر بهل گمر عقلي وجمع فاكرته وحواسه) اذن فشاعرنا طار بأجنحة التبصرة العقلية لا بالنظرة العينية فماذا رأى من تلك النظرة؟ ( يقتبس من سنى القدرة ولا من الشمس اقتباسه) ،(گال هذا الگمر نوره امن الأزل نيرّ اساسه) وبعد ذلك دعنا نطير معه في فضاءات نظرته العقلية دعنا نحلق سوية في سماء سيدنا العباس (عليه السلام ) ونشاهد مشاهدات الشاعر الذي هام فاخذ يملي عليه عقله وهو سلم يكتب ما يرى (وما كتب الفؤاد ما راى) فلنتحد معه روحا وعقلا لكون املاءاته واملاءاتنا ونظرته ونظرتنا فيقول (هل النور بان من الازل ـ يزهي بوجه خير العمل ـ والوجه عباس انتقل)، ومن هذا سنترك للقاريء ان يقرا وان يحلق مع الشاعر ويستوحي من نظرته ما يستوحي
العباس اصل الوفاء وفرع
يقينا ان لولا وجود العباس عليه السلام لم يعرف الناس معنى الوفاء فما اكثر الشعراء والمحللين لواقعة الطف وهي حقيقة (واقعة الوفاء) ترجمان هذه المعاني الحقة لولا ذلك الموقف الوفائي من اصل الوفاء لم تعرف الناس الوفاء ولم تعرف ما ترجمته ومن صور الوفاء التي رسمت على ارض الوفاء بدم الوفاء التي اخذ بريشتها شاعرنا الكربلائي وجعلها ترسم على لوحات قصائده وهي (اشلون نشرة علم حلوه تنشر بحدود الكفالة) يقول الشاعر انها تشرق علم حلوه اي ما احلى تلك الوقفة اي ما اعظم ذلك الموقف الترجماني لغاية الوفاء الحسيني وعائلة الحسين وموقف الحسين ثم يرينا الشاعر ما اعقب هذه النشرة العالم فيقول (شلون ملكه اشلون وكفه بين مكفول وكفيله) ونلاحظ سيطرة حالة العجب والتعجب من الوقفة بتكرار الشعور الداخلي للشاعر كله (شلون) وهي هنا ليست عشوائية سؤال، وانما تفيض زهوا راقصاً للشعور واهتزازا داخليا لشاعر يرى الموقف ويريد ان ينثر على رايته اكاليل الورد فما احلى وما اعظم هذه غاية ما يصل اليه الشاعر من ترجمة ولكن داخله اعظم ولكن العجب ألجم الفم والكلمة وجعلها تتحرك في داخل القاريء وخاصة عندما يصل ويقول (وابطرف راية وليها اتعلكت روح العقيلة) واليك ان توسع حدقة العين وترى ما لا يرى الشاعر فروح العقيلة لا تتعلق الا بهذه الراية وكأن روح العقيلة هو الشعار المخطوط على الراية وكأن الراية الحسينية كانت (عباسية زينبية ) يد العباس تحمل روح زينب وان الحسين يريد ان يقول (ان الحسين يريد ان يريكم ايها الناس ان راية ابو الفضل وشعاره العقيلة زينب) وكأن ما اراد الحسين الإفصاح عنه حين قال لأخيه (اذا ذهبت يتشتت عسكري) فعسكر الحسين هو الراية وشعاره( اوصيك بالعيال) فهم حرم الله، فطرة تتحدث في داخل الشاعر لابد لكل قاريء ان يستقبلها بفطرته ليفهم معناها، ونراه في قصيدة اخرى يقول(ملك وابعرش المطهم والعلم تاج اعله راسه) فراية الحسين تاج للعباس فهل هناك اصدق من هذا الوفاء ؟ ومن ثم يحل شاعرنا لجام الكلمة ويجعلها تصرح عما يعتريها وما امتلكها من زهو وكبرياء ويدخل ساحة التصريح ليناغم لحظات الوفاء وجها لوجه فلم يستطع كتم حاجة او الايحاء به بل فلت من شعوره اللجام وصرخ قائلاً (لبس درع الوفه ودرع الوفه امفصل وايحلاله)، (وشد حيازيم المنايه وزرها ببنود الكفاله) حقيقة ان وقفته كانت وجها لوجه قريبة جدا فهو ساعة يرى العباس وساعة في مقلته وقفه ابيه علي عليه السلام ، أي ان ذلك الموقف امانة من علي عليه السلام فعبارة (امفصل وايحلاله) اي ان ذلك الموقف أمانه من علي في لحظات الوداع، وكذلك الفصال يعنى لا يمكن لهذه الدروع ان يلبسها احد غيره ولا تكون لغيره ابداً وعبارة (وشد حيازيم المناية) ترجع بنا الصورة الى وصايا أبيه (اشدد حيازيمك للموت) ومن يكون ترجمان اقوال المولى علي عليه السلام غير قمر الاقمار وابو الفضل عليه السلام ثم يرسم لنا الشاعر حوارية جميلة بسيطة من رجل رأى الخطوة الاولى ويعرف الخطوة الاخيرة ولكنه يختصرها فيقول (علوعد رايح يزينب واليواعد كون يوفي)، (لو اجيب الماي لو علماي تتگطع جفوفي) أراد هنا الشاعر أن يوصلنا الى لحظات النهاية ولكنه ابى ان يختمها الا بختام العهد والوفاء لذلك العهد… هكذا يكتب شعراء الفطرة .
نشرت في الولاية العدد 120