دور الزهراء (عليها السلام) في الجانب العسكري

انتصار عدنان العواد

شهدت حياة السيدة فاطمة (عليها السلام) أدواراً جهادية متميزة منذ فجر صباها، إذ واكبت مسيرة أبيها (صلى الله عليه وآله) في مواجهته للصعوبات المريرة التي اعترضت طريق نشر دعوته السماوية في مكة وقد بدا دورها (عليها السلام) هاماً ومميزاً في تلك الفترة واستحقت به أن تكنى بـ «أم أبيها». ثم كانت في طليعة المهاجرات إلى يثرب لتلحق بأبيها (صلى الله عليه وآله)، يرافقها أمير المؤمنين(عليه السلام) والفواطم.. كما روت كتب السير والتأريخ..

المشاركة الفعالة:
ففي المدينة بدأ الإسلام مرحلة جديدة من المواجهات مع أعدائه، تمثلت بالجهاد الحربي في المعارك التي خاضها المسلمون مع مشركي قريش، وهنا بدأت السيدة فاطمة(عليها السلام) بنشاطها الجهادي الذي تمثل بمشاركتها إلى جانب عدد من المسلمات في حروب المسلمين، وتشير الروايات إلى تلك المشاركة الفعالة التي اضطلعت بها النساء المؤمنات في حروب الإسلام ولاسيما في تضميد الجرحى وإعداد الطعام وحمل الماء للمقاتلين، وقد وصل بهن الحد إلى المشاركة بالقتال وحمل السيوف دفاعاً عن النبي (صلى الله عليه وآله) والدين الحنيف، وقد أشاد النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك في أكثر من موضع(1).
وكانت فاطمة (عليها السلام) في طليعة النساء اللواتي شاركن في الحروب وتميزت بدورها الفاعل، فمثلاً في معركة احد خرجت من المدينة برفقة (14) امراة يحملن الطعام والماء لاستقبال المسلمين ومداواة الجرحى منهم بعد أن خسروا المعركة بسبب مخالفتهم لأوامر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله). وتوجهت نحو أبيها (صلى الله عليه وآله) الذي عاد مثقلاً بالجراح بعد أن قاتل قتالاً شديداً وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه وجرح وجهه الشريف؛ فلما رأته اعتنقته باكية وجعلت تمسح الدم عن وجهه وهو يقول: «اشتد غضب الله على قوم أدموا وجه رسوله»(2) في مداواة النبي (صلى الله عليه وآله) بنقله الماء في درقته(3) من المهراس(4) ويصب الماء لها وهي تغسل الجرح وتنظفه من الدماء. ولما رأت أن الدم لا ينقطع بالماء، لجأت إلى معالجته طبياً، فقد عمدت إلى حصير فأحرقتها وألصقتها على جرحه فرقأ(5) الدم. وقيل إنها عالجته بصوفة محترقة(6). ثم تناولت من ابيها (صلى الله عليه وآله) سفه تنظفه وهو يقول لها: «اغسلي عن هذا دمه يا بنية، فو الله لقد صدقني اليوم»(7)

حضور فعال:
وناولها الإمام علي (عليه السلام) سيفه ذا الفقار المختضب بالدماء لتغسله قائلاً لها:
أفاطم هاك السيف غير ذميم فلست برعديد ولا بمليم
لعمري لقد قاتلت في حب احمد وطاعة ربٍ بالعباد رحيم
وسيفي بكفي كالشهاب أهزه اُجذّ به من عاتق وصميم
فما زلت حتى فض ربي جموعهم وحتى شفينا نفس كل حليم(8)
وسجلت لنا الروايات حضورها (عليها السلام) في معركة الأحزاب ببقائها قريبة من أبيها (صلى الله عليه وآله) لتهتم به وترعاه وتحضر له الطعام عند حفر الخندق، إذ يروى: «عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال كنا مع النبي (صلى الله عليه وآله) في حفر الخندق إذ جاءته فاطمة ومعها كسرة خبز فدفعتها إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال النبي (صلى الله عليه وآله) ما هذه الكسرة؟ قالت: قرصاً خبزتها للحسن والحسين (عليهما السلام) جئتك منه بهذه الكسرة. فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله): أما انه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاث»(9) أما في خيبر فقد ذكرت الروايات أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد أعطى لابنته فاطمة (عليها السلام) نصيباً من المغانم: «خمسة وثمانين وسقا» وقيل» مئتي وسق. ولكن هل يعد هذا دليلاً على مشاركتها فنالت هذا العطاء أم انه أعطاها كما أعطى الجميع؟!.

الزهراء (عليها السلام) في فتح مكة
وتشير الروايات إلى مرافقتها لأبيها (صلى الله عليه وآله) في فتح مكة، تعتني به وتلبي حاجاته على الرغم من وجود زوجاته. وفي ذلك دليل على قربها الشديد منه (صلى الله عليه وآله)، كما أشارت لذلك دلائل أُخَرى ليس بخافية على احد.
ويمكن القول انه على الرغم من الإشارات النادرة عن مشاركة السيدة فاطمة (عليها السلام) في الجانب العسكري، إلا أنها تعطينا فكرة جيدة عن أهمية الأدوار التي قامت بها السيدة فاطمة (عليها السلام) في دعم الإسلام ورفده بكل ما تملك من طاقات. وإن كانت الروايات قد بخلت علينا في أعطاء الصورة الكاملة لما قدمته طوال حياتها الشريفة. ولكن لا يمكن استبعاد مشاركتها في أغلب المعارك التي خاضها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لأنها ما اعتادت أن تفارقه أبداً هذه المواقف فضلاً عن مواقفها الجهادية في الجانب السياسي بعد وفاة ابيها المصطفى (صلى الله عليه وآله) وخطبها خير دليل على مواقفها السياسية تجاه السلطة ، فالزهراء (عليها السلام) زيادة على كونها امرأة العلم والفقه و والورع التقوى فهي المبرزة في المجال الفكري والسياسي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ابن سعد: الطبقات 8/413. ابن أبي الحديد: الشرح 14/266. الصالحي: سبل الهدى 4/201.
(2) الواقديك المغازي 1/ 249. ابن ابي الحديد: الشرح 15/ 35 ـ 36.
(3) الدرقة اي الحجفة وهي ترس من جلود ليس فيه خشب ولا عقب. ابن منظور: لسان 10/95.
(4) المهراس صخرة منقورة تسع كثيرا من الماء. ابن الأثير: النهاية 5/259.
(5) رقاً سكن وانقطع. الجوهري: الصحاح 1/53.
(6) الواقدي: المغازي 1/ 250. البخاري: الصحيح 3/227، 7/19 ـ 20. ابن ماجه: السنن 2/ 1147.
(7) ابن هشام: السيرة 3/47. ابن طلحة: مطالب السؤول ص 147. ابن كثير: البداية والنهاية 4/54.
(8) الطبري: تاريخ 3/79. ابن شهر اشوب: مناقب 1/166.
(9) الصدوق: عيون أخبار الرضا 2/43. المحب الطبري: ذخائر ص 47. القندوزي: ينابيع 2م 136.

نشرت في الولاية العدد 124

مقالات ذات صله