م.م. علي محمد عبد الحسين أبو شبع
الاستفهام هو جزء من فنون القول الذي يعبر عنه اعجاز القرآن الكريم وهو طلب الفهم والسؤال عن مجهول، ولذلك يحتاج إلى جواب، والله سبحانه وتعالى منزه عن أن يسأل سؤالاً حقيقياً؛ لأن السؤال الحقيقي يستلزم الجهل بما يسأل عنه والله سبحانه وتعالى عالم بكل شيء لا تخفى عليه خافية, وما ورد في القرآن الكريم من سؤال حقيقي فهو قليل جداً جاء محكياً عن غير الله سبحانه وتعالى.
وتوجد خلافات في جواب الاستفهام الحقيقي من قبل المؤلفين القدماء والمعاصرين، فمنهم من نفى وجود الاستفهام الحقيقي في القرآن الكريم، ومنهم من أشار إلى خروجه لأغراض كالتعجب والتوبيخ… ومنهم من مثل الآيات الحقيقية وأشار إلى المجاز، ومنهم بالعكس. وينقسم جواب الاستفهام الحقيقي من جهة وظيفته على قسمين: استفهام التصور، واستفهام التصديق.
استفهام التصور
إذا كان المطلوب معرفة أحد مفردات الجملة من مسند أو مسند إليه أو مفعول به أو غيرها، كما قال أكثر المؤلفين القدماء والمعاصرين، بأن استفهام التصور: هو الذي يطلب به تعيين أحد الشيئين، وفي هذه الحالة يأتي أحد هذين بعد همزة الاستفهام مباشرة، ثم تأتي بعد حرف العطف (أم)، وتسمى أم المعادلة؛ لأن ما بعدها يعادل ما قبلها في ذهن السائل، وأن التصور من الناحية البلاغية هو إدراك المفرد نحو: أعلي مقيم أم محمد؟ تعتقد أن السفر حصل في أحدهما ولكنك تطلب تعيينه؛ ولذا يجاب بالتعيين فيقال علي مثلاً، ونحو قوله تعالى: (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ)(البقرة/ 68)، والجواب (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ).
استفهام التصديق
هو إثبات النسبة بين الشيئين، أو نفيهما ويجاب عنه بـ(نعم) أو (لا) أو (أي) كقولك نحو: أجاء زيد؟ الجواب مثلا (نعم) أو (لا)، ونحو قوله تعالى: (فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا)(الأعراف/ 44)، الجواب (قَالُوا نَعَمْ)، والجواب بـ(أي) أو (بلى)، نحو قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ)(البقرة / 260)، والجواب (قَالَ بَلَى).
ونقل الدكتور السامرائي في (معاني النحو) عن سيبويه (ت180هـ) (وأما نعم فعدة وتصديق، تقول: قد كان كذا وكذا، فيقول: نعم)، والإعلام يكون بعد الاستفهام نحو (أحضر خالد؟) فتقول له نعم.
وأدواته (الهمزة-أم-هل)، والهمزة هي أصل أدوات الاستفهام، وجاء استعمالها أكثر من (هل)، وهي للتصديق، فغالباً يتولد سؤال (هل في القرآن الكريم استفهام حقيقي)، بمعنى طلب الفهم؟ الإجابة (نعم) يوجد جواب استفهام حقيقي، نحو قوله تعالى: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(المائدة/ 112)، (هل) حرف استفهام، وورد هذا الاستفهام حقيقياً في هذه الآية، والدلالة هو الجواب (قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ذكر الزجاج (ت311) في (معاني القرآن)، إنهم جهلوا أن الله يقدر على أن ينزل مائدة، ولكن وجه السؤال هل ترينا أنت أن ربك يرينا ما سألنا من أجلك من آياتك التي تدل على نبوتك؟ ونحو قوله تعالى: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)(الأعراف/ 44)، (فهل) حرف استفهام حقيقي ورد في هذه الآية، ذكر الشيرازي في (الأمثل) جواب أهل النار قائلين: كما في قوله تعالى: (قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)، فالسؤال هو عين الحقيقة، والفاء للتفريع.
وذكر المطعني في (التفسير البلاغي)، أن الاستفهام الحقيقي نادر الوقوع في القرآن الكريم بالنسبة للاستفهام المجازي.
وأن هذه النماذج وهذه الآيات التي تدل على جواب الاستفهام الحقيقي موجودة في القرآن الكريم، ولكن نلاحظ أنه ورد في القرآن الكريم من قول البشر وليس من قول الله سبحانه وتعالى.
خلاصة القول: يُمكن أن نقول إن جواب الاستفهام الحقيقي كما ذكرنا سابقاً بأن السؤال يحتاج إلى جواب، وهو طلب الفهم عن شيء مجهول، إذا كان السؤال من البشر كما مثلنا له سابقاً، وهو يتطلب جواباً بـ(نعم) أو(لا) أو غير ذلك.
إذا كان السؤال من الله سبحانه وتعالى نحو قوله تعالى: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى)(طه/17)، وهذا السؤال في الآية له جواب وهو (قَالَ هِيَ عَصَايَ)، لكن الآية ورد فيها الاستفهام مجازيا؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يستفهم عن شيء وهو عالم بكل شيء، لكن هذا السؤال خرج إلى الغرض البلاغي للإيناس والإفهام، والله سبحانه وتعالى عالم بأن التي بيمين موسى(عليه السلام) عصا فسؤاله للإيناس حتى لا ينفر منها إن انقلبت حية.
أما إذا كان السؤال نحو قوله تعالى: (قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ)(يوسف/90)، فهذا السؤال أيضاً له جواب قال لهم: (أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا)، فإذا كان إخوة يوسف(عليه السلام) علموا علم اليقين أنه يوسف، وكان سؤالهم للاستغراب أو التأكيد يكون الاستفهام في هذه الآية مجازياً، أما إذا كان سؤالهم بأنهم لا يعلمون علم اليقين أنه يوسف وكانوا يستفهمون بأنه يوسف أم لا، فيكون الاستفهام حقيقياً.
وأما نحو قوله تعالى :(قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ)(الأنبياء/ 62)، إذا كانوا يعلمون بأن إبراهيم(عليه السلام) ، هو الذي حطّم الأصنام، وسؤالهم للغرض البلاغي التقريري، فيكون الاستفهام مجازياً، وإذا كانوا لا يعلمون بأن إبراهيم حطم الأصنام، وسؤالهم لطلب العلم فيكون الاستفهام حقيقياً، بدليل الجواب (قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ).
نشرت في الولاية العدد 132