الاصطدام بالموروث الاجتماعي والثقافي مسارات فكرية جديدة لأزمة الإنسان المعاصر في فن الملصق الكرافيكي

د. أحمد عبيد كاظم
بعد الحرب العالمية الثانية اتجهت المسارات الفكرية والمنهجية لما بعد البنيوية والتفكيكية ذات الخلفيات والنظم اللاهوتية اليهودية باتجاه الانفصام بين الفرد والمجتمع، ويرى الفيلسوف الألماني ( نتشه ) إن اليهود أصحاب الخطوة الأولى في التحرر من الأخلاق وقلب المعادلة الارستقراطية رأساً على عقب المتمثلة بجميل، نبيل، طيب، محترم، قوي، سعيد .. أو منطق، قانون، نظام، أعراف، معايير، قيم، إيمان.. ويصف هذا التمرد بـ( التمرد المظفر ) .. ولقد حذر كثير من المفكرين والنقاد العرب من استفحال الهيمنة اليهودية على الفكر العالمي، ومن هؤلاء على سبيل المثال محمد عابد الجابري، عبد الوهاب المسيري، عبد الهادي عبد الرحمن وغيرهم .
تمرد الكرافيك والعدمية
وفي مجال الفن الكرافيكي جاءت ملصقات التعبيرية التجريدية بتقنية رسم تجريدي, ذات محتوى فكري رافضاً لأي بنى ايدولوجية أو سلطة مركزية تحد من حرية التعبير بعيداً عن المعايير الجمالية الكلاسيكية وهو اقرب إلى خطاب اللاوعي من خلال التلقائية والعفوية التي تحكمها اللذة والإثارة، فالأشكال التجريدية الخطية التي أنتجها المصمم تتعاقب وتتكرر من دون أدنى حذر أو حساب لبنية مسبقة، فالعدمية لا تشترط أي مشروعية لقيم أو تقاليد فنية أو جمالية, بل البحث عن قيمة جديدة لماهية التجريد الذي يجعلها أكثر تشظياً وأوسع فهماً في الاتكال على توظيف الخطوط الهندسية المنحنية الملونة بين الرؤية المتنوعة للإظهار التصميمي وقيم التعبير عن الفعل التقني لمعالجات النص البصري لإيجاد مديات غير محددة في التنوع والتغير في اللون والاتجاه والملمس والقيمة في الصفات التعبيرية والمظهرية , فالقيم اللونية الفاتحة والغامقة المتباينة تجذب المتلقي, ولعل الباحث يجد في التكوين الإنشائي تغلغل فكرة اللامعقول العدمية, وعد الوجود عبث لا من حيث انه وجود, بل من حيث علاقة مكوناته مع بعضها,
إن كل شيء في الوجود معقول ولكن علاقة الأشياء مع بعضها غير معقولة, فحركة الخطوط وألوانها وعدم انتظامها دلالة على نسبية الزمان والمكان، فهي تتحرك في اللامنطق وتسيرها وتحركها قوى غير عاقلة, فاللاوعي والحدس يحركان المقاربة الصورية والمادية للعناصر التجريدية الخطية في الفضاء في لامبالاة قصدية وانفعالية محفزة للحركة التي لا تتصف بقواعد تحد هذه الحرية, بل هي حركة مستمرة تبعث المتعة وتبشر بعدم الاستقرار والثبات, فالنص (الملصق) يحمل سمة التحرر من مقيدات القراءة ومرجعياتها وخروجها عن المألوف الحسي والعقلي, نحو تعددية القراءة والتفسير.
تقويض الأنساق العقلية والقيمية
ولعل إنهيار الحدود بين الثقافة النخبوية والشعبية واضحاً تماماً في تعبير تلقائي أقرب إلى الاتجاه الدادائي, فالعناصر الخطية التجريدية مكتفية بذاتها وبتحولاتها الداخلية في تغريبه ورفضه للواقع, والتفكيك والتعددية تتمظهر من خلال التكرار في الخط واللون والاتجاه وتعدد المراكز والانتشار, فقد تم تقويض الأنساق العقلية ورفض المنظور والاختزال والتجميع والمصادفة والتلقائية في التعبير, ويظهر المنجز التصميمي للملصق من خلال الانتقال من الكلي إلى الجزئي كنوع من التضحية بالحقائق الكلية التي يمكن تمثيلها في الأشكال الخالصة، هنا العلاقات الخطية لا تحمل أي بعد أيقوني يشترط تطابق الدال مع المدلول، وكما تظهر ملامح التحولات الجمالية نحو النسبية في اللاشكل واللاحقيقة واللاجمال إذ أن غياب التشخيص لشكل محدد أو تشبيهي يعلن موت الشكل وإعلان اللاشكل, وعدم التسليم بالأحكام الواقعية ولا يقبل أحكاما قيمية, كما لا يمكن نكران النفعية والتداولية من خلال الدهشة وإثارة المتلقي والتواصل معه في ملصق يحقق الدعاية وضرورة سرعة انجازه وانتشاره في الأوساط المهتمة, ضمن أسلوب غير مألوف يتماشى مع الوعي الاجتماعي البعيد عن الحقائق الثابتة موضع الشك فالتجزئة وترك التقاليد المألوفة هو وسيلة لكسر القراءات المحلية والتقاليد المألوفة للخروج بنتائج رمزية خيالية للتعبير عن اللامرئي كالفرح والسعادة والمرح, كمضمون سيكولوجي ذي دلالات عاطفية في تحقيق غرضه .

مقالات ذات صله