اللسان الإيجابي في المفهوم القرآني


م.م. علي محمد عبد الحسين أبو شبع

لاشك أن الله تعالى منح الإنسان نعمة عظيمة, ومن أعظمها بعد الإسلام: نعمة النطق باللسان, وهذا اللسان سلاح ذو حدين: فان استعمل في طاعة الله كقراءة القرآن, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ونصرة المظلوم كان هذا هو المطلوب من كل مسلم, وكان هذا شكراً لله على هذه النعمة.
إعطاء الفهم الصحيح لمكانة اللسان كأداة للخير وللشر على حد سواء وتخريج ذلك باختيار الإنسان نفسه, ومحاولة جادة لإزالة الفكر الخاطئ الناشئ من آفات اللسان على الفرد, والمجتمع, والأمة الإسلامية.
اللسان الايجابي عضو فسلجي يكون به ما يرتجى مرضاة الله سبحانه وتعالى حيث اتبعها الأنبياء(عليهم السلام) وأخذها عنهم من الصالحين ويمكن بيان سبل استعمال اللسان لنيل مرضاة الله بأنواع؛ أهمها: قراءة القرآن: إن أجمل ما في القرآن سره المكنون الذي تلمسه وأنت تقرأ آياته لتجد نفسك في جو روحي ليس له مثيل فهو الكتاب الذي لا تحس بالملل وأنت تقرؤه كل يوم وتعيد قراءة آياته, حيث تحس بوجود جاذبية خفية وتفاعل روحي خاص يجعلك تعيش في حالة من الحضور والمعرفة والمحاسبة الذاتية والانتقال من عصر إلى عصر عبر مراحل التاريخ وأنت تمر بقصص الأنبياء(عليهم السلام) الجميلة مع آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد(صلى الله عليه وآله)، ومع الملائكة، جبريل وميكائيل، ومع مريم ابنة عمران، وامرأة فرعون وكل الصالحين من الملائكة، والأنبياء, والرسل، والأوصياء(عليهم السلام). وذكر في بحار الأنوار الجامع لدرر أخبار الأئمة الأطهار عن الإمام الباقر(عليهم السلام) قال: «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية كتب من الخاشعين، ومن قرأ ثلاثمائة آية كتب من الفائزين، ومن قرأ خمسمائة آية كتب من المجتهدين، ومن قرأ ألف آية كتب له قنطار من تبر…» وقد ذكر في البيان في تفسير القرآن ومن هذه الرواية يمكن أن ننطلق إلى أهمية قراءة القرآن وحجم قراءته وتأثير ذلك على القارئ من النواحي الروحية وآثار تلك القراءة على القارئ وهو يرتقي الدرجات في سلم الرقي الذي يرتبط بالمعرفة القرآنية علماً أن القراءة لابد أن تتلازم مع الحضور القلبي لتحصيل أسرار القراءة والانتفاع بها وقد ورد في ذلك الكثير من الروايات عن النبي الأكرم وعترته الطاهرة(عليهم السلام) والحث على ترجمة تلك المعاني في السلوك والوجدان. ونحو قوله تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)(الأحزاب/35)، فان الذاكرين هم الذين يكثرون من ذكر الله بلسانهم وجنانهم ومن الصلاة والحج. وقد ذكر في ميزان الحكمة عن الإمام الصادق(عليه السلام) «وقد أشار إلى منزلة كتاب الله بقوله: «القرآن عهد الله إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده, وان يقرأ منه في كل يوم خمسين آية». وهل هذا العهد هو الذي ذكره الله تعالى نحو قوله: (وَحَمَلَهَا الإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً)(الأحزاب: 72). ويدل قول الإمام المعصوم على أن قراءة القرآن في المصحف لها أثر مباشر في الدنيا إذ تطيل عمر العين خصوصاً في مرحلة الشباب وقبل الشيخوخة بل وتزيد من قدرة الدماغ على التفكير؛ لأن البصر للعين والعقل معاً, كما أن قراءة القرآن لها آثار جميلة في التخفيف عن ثقل ذنوب الوالدين حتى وان كانا كافرين. وذكر في إحدى البحوث الجامعية (اللسان بين السلب والإيجاب) «أن هناك حديثاً يُشير إلى وجود ثلاث فوائد مهمة للبيت الذي يقرأ فيه القرآن حيث ورد عن المعصومين «أن البيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله تعالى فيه تكثر فيه بركته وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين, ويضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب الدري لأهل الأرض, وان البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر الله تعالى فيه تقل بركته وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين»، ويمكن استخلاص بعض الفوائد: الأولى: هي أن تكثر في البيت البركة. والثانية: حضور الملائكة فيه، وحضور الملائكة نوع من أنواع التحصين والعناية الإلهية. والثالثة: طرد الشياطين، وفي ذلك أثر نفسي على ساكني البيت وانسجامهم الديني. وعن الإمام زين العابدين(عليه السلام) حديث يدلنا على الخزائن المكنونة في آيات القرآن الكريم، والخزينة بالتأكيد تحتوي على النفائس التي تجذب النفوس، وكما ينجذب الإنسان بطبعه إلى التطلع في خزائن المعادن النفيسة كالذهب والفضة ينجذب المؤمن إلى خزائن القرآن الكريم وهي أثمن وأعظم فائدة للمؤمن ففيها اسرار وأسرار يصل إليها الإنسان متى أمعن النظر والتفكر وبذلك يحقق فائدة عظيمة يتلمسها من البركة النازلة عليه والبركة التي تلحقه في الجنة في عالم الآخرة والقرب من الله سبحانه وتعالى. فقد أورد الكليني في الكافي بإسناده عن الزهري قال سمعت علي بن الحسين(عليه السلام) يقول: «آيات القرآن خزائن فكلما فتحت خزينة ينبغي لك أن تنظر ما فيها». وذكر الشريف الرضي عن إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام) أمرنا بتعلم القرآن باعتباره أحسن الحديث, ونستضيء ذلك في إحدى خطبه في نهج البلاغة «وعلموا القرآن فانه أحسن الحديث وتفقهوا فيه فانه ربيع القلوب واستشفوا بنوره, فانه شفاء للصدور وأحسنوا تلاوته فانه أحسن القصص فان العالم العامل لغير علمه كالجاهل الجائر الذي لا يستفيق من جهله بل الحجة عليه أعظم والحسرة عليه ألزم وهو عند الله ألوم.
وخلاصة القول أن الإصلاح من خلال اللسان بالقول السديد والمؤيد برضا الله سبحانه وتعالى من أولويات الأنبياء والأئمة(عليهم السلام) والأمر وارد عند الكثيرين من الناس يسعون للإصلاح والمحبة, فهي نتيجة محتومة لطبيعة العمل الصالح. وحاصل ما تقدم أن اللسان سلاح ذو حدين فهو عند اللبيب المهتدي آلة من آلات الخير والبر ومركب من مراكب البلوغ والنجاح. وأما اللسان السلبي هو آفة متعددة منها: الشرك بالله سبحانه وتعالى فان معصية النطق يدخل فيها الشرك, وهو أعظم الذنوب عند الله عز وجل ويدخل فيها القول على الله بغير علم. وآفة: القول على الله بغير علم إذ إن القول على الله تعالى بغير علم هو من أعظم الذنوب. وآفة للسان الجارح بكلمات مقصودة أو المتكلم جاهل لا يعلم معنى الكلام الذي ينطقه فيجرح شعور المقابل ويجعل نفسه متكبراً ومكروهاً عند الناس.

نشرت في الولاية العدد 133

مقالات ذات صله