مكانة المرأة في الإسلام

أ.م . محسن ربيع/ جامعة البصرة

تثير قضية المرأة جدلا واسعا بين الأوساط الثقافية والفكرية والدينية في المجتمع العربي المعاصر، ولعلها القضية الوحيدة التي لم تحل إلى يومنا هذا، أي منذ الجاهلية وانتهاء بالعصر الحديث يعدّ امتدادا طبيعيا للعهود الإسلامية المختلفة، وهذا في الشرق فقط أما الغرب وسائر أنحاء العالم فقد مرت قضية المرأة بمراحل مختلفة، وأثرت عليها عوامل متعددة ،ومازالت إلى يومنا هذا تمر بأطوار وتفاعلات سريعة ومتعاقبة مختزنة ا لكافة إبعاد التطور الإنساني المعرفي ,والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا بقيت قضية المرأة تراوح في مكانها تبحث عن الحلول والمعالجات الجذرية والجدية ، والجواب على ذلك ليس بالميسور والسهل وذلك لاختلاف الأطروحات والرؤى لان كل حضارة وتجربة إنسانية سواء كانت دينية كالديانات السماوية ومنها الإسلام ، أو الحضارات كالحضارة الغربية المعاصرة التي ادعت أنها الأقدر على إيجاد الحلول الناجعة لقضية المرأة ورفع الظلم عنها بشكل أو بآخر(1).

نظرة الأمم السابقة إلى المرأة
أما في الأمم السابقة مثل اليونان والفرس فالنظرة مختلفة تماماً عن نظرة الإسلام إلى المرأة ، ففي الفرس فالمرأة محتقرة لا ينظر إليها باحترام ولا تراعي عاطفتها ومشاعرها ولو بمقدار بسيط ، فيقال ان (برويز ) كانت له اثنتا عشرة ألف امرأة ، وأما غيره من وجهاء القوم فكان يقترن بمئة أو أكثر من النساء بما فيهن النساء اللواتي من محارمه كالأمهات والأخوات والبنات ، فكان يمسك منهن من يشاء ويطلق من يشاء ولا يتوانى عن سجنهن ،إذ قمن بإغضابه حتى يصل الحال إلى سجنها في البيت مدى الحياة(7).
أما عند اليونان فالمرأة رجس: من عمل الشيطان وسلعة تباع وتشترى وليس لها الحق في التصرف ، وإنما يرجع الحق إلى تصرف الأب والزوج.(8)

نظرة الإسلام إلى المرأة:
ينظر الإسلام إلى المرأة على إنها مخلوق شريك للرجل في هذه المعمورة وبينها وبين الرجل علاقة إنسانية مقدسة ويشتركان في كثير من الأمور الأساسية التي تبنى على الشخصية الإنسانية كالفطرة والسجية والعقل وغيرها، ولكثرة النقاط التي تشترك فيها المرأة مع الرجل في الخلقة جاءت الآية الكريمة لتؤكد ذلك:
(يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة)).
وقد سجل التاريخ لنا الكثير من الأسماء التي لاح نجمهن في سماء العقيدة منهن في العصر الإسلامي خديجة الكبرى، أم المؤمنين، زوج النبي, التي قال عنها النبي الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم ):
(( آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني في مالها إذ حرمني الناس ، ورزقني منها الولد إذ حرمني منها أولاد النساء )).والصديقة الطاهرة ، فاطمة الزهراء، المظلومة، التي قال عنها الرسول ل الكريم: ((فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني )). وعقيلة الطالبين ،زينب الكبرى، التي وقفت يوم العاشر من محرم تخاطب يزيد ((عليه اللعنة )) ((كد كدك وسع سعيك وناصب جهدك فوا لله لن تمحو ذكرنا)). وهي بذلك أعطت أعظم الدروس للمرأة المجاهدة البطلة الشجاعة في الحاضر والباد.
وقد أولى القران الكريم المرأة أهمية كبيرة وأعطاها قيمة عظيمة تتساوى من الدور الحضاري والإنساني
قال تعالى ((أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ))
من خلال هذه الآية المباركة وآيات أخرى سنمر عليها في معرض بحثنا نرى المساواة بين الذكر والأنثى في جزاء الإعمال, وان مكانة المرأة في الإسلام لا تختلف عن مكانة أخيها , فهي متساوية في العطاء والجزاء, حيث لا محاباة ولا .تفاضل , وصرحت هذه الآية المباركة بأن السعي الذي تقوم به المرأة . والذي يقوم به الرجل غير مضيع عند الله ولا خائب .. وفي قوله تعالى ((بعضكم من بعض )) تعبير صريح بعدم الاختلاف . والمفاضلة , فالمرأة والرجل جميعا من نوع واحد لا فرق بينهما . ((إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى)) و(( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)) فلا كرامة إلا بالتقوى , والفضيلة هي من قياس المفاضلة وأساس التقديم على الآخر. ولو تصفحنا القران نجد جملة من الآيات المباركة تختص بالمرأة وحدها قد أفرزنا من هذا الكم الهائل ما جاء في تكريم المرأة والدفاع عنها وإرجاع حقوقها . وأخرى تبين أن للمرأة واجبات أضافه للمساواة بين المرأة والرجل في حقوق مشتركة(2).
ومن دراسة للنصوص الإسلامية الواردة بشأن المرأة سواء كانت مفاهيم أو أحكاما وآدابا نجدها تتخذ مسارين(3).
أولا: المسار الإستراتيجي العام الذي يحرص الإسلام الحنيف على البلوغ بالمرأة إلى مستواه الأقصى في المجتمع والحضارة وهذا ما أكده الباري عز وجل في محكم كتابة في تقرير حقيقة الرجل والمرأة وأنهما جنس واحد متكامل في حقيقة تكوينهما (( ياايّها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تسالون به والأرحام إن الله كان عليما رقيبا) )(4).
وهذا النص القرآني إعلان صريح يخطأ كافة القواعد والأفكار التي تعارف عليها المجتمع بشان المرأة للنظرة الضالة الشائعة عن حقها وتكوينها وموقعها في الحياة الإنسانية مما تصورته الجاهليات العربية واليونانية والفارسية والمصرية . قبل بزوغ فجر الإسلام والدين المحمدي الأصيل، وبناء على ذلك تأتي تفصيلات الأحكام والمفاهيم حول المرأة كقوله نعالي ((وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ، وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ))(5).
(( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ))(6).
ثانيا: المسار المرحلي المحكوم بالظرف الفعلي:وهذا المسار يحتمل على مجموعة من الأحكام والمعالجات لواقع المرأة ضمن مفاهيم الأعراف السائدة في عصر التشريع ريثما يحقق الإسلام الحنيف عملية التغير الاجتماعي الشامل تجاه أهدافه المتوخاة على مستوى تغير أفكار الناس وتصوراته .
أما في تاريخنا المعاصر فقد أفرزت الإحداث السياسية التي مر بها البلد، الكثير من النساء اللاتي طرزن اسماءهن بأحرف من نور ،فكانت السيدة الجليلة ،امنة الصدر في طليعة النسوة المجاهدات التي مثلت مع أخيها محمد الصدر ثنائيا لعبا دورا في هذه الإحداث، فكانت مع أخيها جسدت أخوت زينب مع العباس، اما اليوم ونتيجة لدخول داعش العراق, ففي الوقت الذي تخاذل الرجل وتخلى عن مسؤولياته, صمدت المراة ودافعت بكل بسالة وشجاعة , بعضهن آوت وأخفت ابناء الجنوب عن داعش, والأخرى حملت السلاح لتستنهض همم المقاتلين في المناطق الغربية, اميمة الجبارة بنت صلاح الدين قاتلت حتى استشهدت لتلقى الله جلا وعلا.

الهوامش:
1- لأنك ا مرأة؛ رياض قاسم. د ار كميل-البحرين,2004,ص 5- 6.
2.المرأة في القران الكريم , مكانتها ,حقوقها ,الأحكام الخاصة بها, أسراء أسد,ط1,المعا ونية الثقافية للمجمع العالمي لأهل البيت,1432,ص19
3. المرأة بين الواقع التاريخي والدور المغيب, مؤسسة السيد الشهيد محمد باقر الصدر, مؤسسة البلاغ للطبع,2010,ص8
4.(النساء/1)
5.البقرة(88)
6.النساء(7)
7 .الفتلاوي ، على، المرأة في حياة الإمام الحسين (عليه السلام)، ط1، قسم الشؤون الفكرية والثقافية العتبة الحسينية المقدسة , ،شعبة الدراسات والبحوث الاسلامية،2008،12.
8. الفتلاوي، على، المرأة في حياة الإمام الحسين (عليه السلام)، نفس المصدر،ص12.

نشرت في الولاية العدد 133

مقالات ذات صله