مرقد السيد إدريس (رضي الله عنه) درَّة في كفي الكرادة

الباحث: جواد أبو غنيم

العراق بلد الأنبياء والرسل والأئمة والسادة والأخيار، فلا تكاد بقعة من بقاعه تخلو من مرقد يضم في ثراه جسداً طاهراً شريفاً لنبي أو إمام أو سيد جليل، وتتربع وتنتشر مراقدهم هنا وهناك تفيض عبقاً يبلغ عنان السماء رمزاً للنقاء والترفع والسمو ودرساً منيراً شاهداً لبني البشر، ليتزودوا من أولئك الأطهار. ويتخذوهم نبراساً ينير لهم ظلمة الدنيا وطريقها الموحش نحو الآخرة ومن هؤلاء الميامين السيد إدريس الحسني(رض)

نسبه الشريف:
هو السيد إدريس بن موسى الثاني بن عبد الله (أبي الكرم) بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن الإمام علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، ولد في القرن الثالث الهجري، أمه أم ولد شريفة الحسب والنسب تسمى (أمة المجيد) وهي مغربية، ولد في الحجاز بحسب اغلب المصادر التأريخية.
صفاته:
كان السيد إدريس (رض) شريفاً مهذباً عالماً جليلاً وأحد النقباء الأشراف حتى صار نقيب النقباء الأشراف، كان ثاقب الرأي واضح الحجة والبيان يجتمع إليه الناس للتذاكر والتدارس والتفسير والعلم والحديث وإبداء المشورة والرأي وحل المسائل الشرعية والفقهية والقضائية والإجتماعية وغيرها، وله نفس أبية جداً ولايرضى بالظلم ونفسه تواقة للمعالي، وكان ساعياً الى إحقاق الحق ودحض الباطل حتى ثار ثورته المشهورة في (ينبع) في الجزيرة العربية أيام الحاكم العباسي(المعتز بالله)، كما ثار في (مكة المكرمة) في ذلك العهد أخوه السيد الشريف محمد أكبر الحراني وقد قضي على ثورتيهما.
ألقابه:
لقب بالحسني نسبة إلى انحداره عن الحسن بن علي (عليهما السلام) ولقب بالأمير والشريف والنقيب ونقيب النقباء وشريف الأشراف وقد شاركه بلقب (الأمير) أخوه السيد الشريف، كان السيد إدريس تقياً ورعاً زاهداً بلغ من شدة زهده وتقواه وتدينه أن جعل الناس يتهافتون على كسب وده والتبرك به.
السيد إدريس وأبوه وإخوته: روى أبو الفرج الاصفهاني في كتابه(مقاتل الطالبيين) أن سعيداً الحاجب حمل موسى الثاني من المدينة وكان معه ابنه إدريس الحسني وابن أخيه محمد بن يحيى بن عبد الله المحض إبن عبد الله بن موسى وأبو الطاهر أحمد بن زيد، حمله الى العراق، فعارضته (بنو فزارة) بالحاجز فأخذوا من يده موسى الثاني ومن كان معه فمضوا بهم فأبى موسى أن يقبل ذلك فرجع سعيد الحاجب فلما صاروا في ناحية (زبالة) وهي إحدى نواحي العراق ،دس إليه سماً فقتله وأخذ رأسه وحمله إلى (المهتدي العباسي) في محرم سنة (256هـ) وخلصت بنو فزارة إدريس من الموت لأنهم أخواله وفزارة قبيلة ذات عدد كبير وقوة وشجاعة وللسيد إدريس سبعة عشر أخاً ذكراً.
وفاته:
يقف المؤرخون وأصحاب السير على أن وفاته كانت سنة (300هـ) ومنهم من قال قتل بالسيف وآخر يقول بالسم ثم دفن في مكانه الحالي ببغداد/ الكرادة.
مرقده المقدس: يقع المرقد المقدس في منطقة الكرادة الشرقية في بغداد وكان اسمها التأريخي (كلواذا) وكلمة الكرادة من كثرة (الكرود) الموجودة سابقاً فيها لري وسقي المزروعات والبساتين التي كانت تعج بها المنطقة سالفاً والتي ما يزال بعضها قائماً إلى الآن، المرقد يقع في منطقة تسمى (الزوية) كما وتحد المرقد من الجانب الآخر منطقة (البوشجاع) والمرقد يقع قبالة جسر (14تموز) المعلق ويجاور مرقده الشريف منطقة (السبع قصور) التي شيدت آواخر العهد العثماني ولم يبق فيها سوى ثلاثة قصور شاخصة إلى الآن وقرب المرقد كان هناك تل يدفن الناس فيه أمواتهم وعند إزالة التل أخذ الناس يدفنون موتاهم حول المرقد الشريف تيمناً وتقرباً.
بناء المرقد الشريف:
يعتقد أن تأريخ البناء الأول في بداية القرن العشرين حيث أسس الإنكليز معسكراً لهم قرب المرقد، وجلبوا معهم العديد من الجنود الهندوس والسيخ الذين اصطدموا مع الكراديين بشأن معتقداتهم، فحاولوا تهديم القبر ومنع المسلمين من الدخول إليه, وفشلت العديد من محاولات تهديم المرقد وتداول الناس الحكايات المثيرة والاسطورية عن ذلك، وأشاروا إلى أن القائد البريطاني أمر بوقف التهديم وأمر ببناء سياج من الأسلاك الحديدية يحيط بالقبر وحول مدخل المعسكر الى الجهة الثانية لمنع وجود الجنود الهندوس والسيخ هناك, وكان هذا سنة 1920 وبدأت مرحلة البناء الثانية، حيث تم بناء القبر من الطابوق. كما أضيف إليه بناء القبة وبعض الأروقة.
وفي الستينيات ازداد العمران في الكرادة فبنيت إضافة الى الدور الفخمة بعض الحسينيات المعروفة التي ضمت رفات بعض العلماء مثل السيد الشهيد مهدي الحكيم والسيد طاهر الحيدري. وكان هذا سبباً في إثارة نقمة الناس ضد الجهات الدينية والحكومية المسؤولة التي أهملت بناء مرقد السيد إدريس مع علو شأنه، فتم بعد ذلك تحويله من قبر طيني الى مزار واسع يزدان بالنقوش وفن العمارة الإسلامية عام 1967، وقد ساعد تشجيع أهالي الكرادة وتبرعاتهم على الشروع في عملية بناء المرقد وتوسيعه وكانت أولى المراحل هي صب الأرضية لتجهيز مكان لصلاة الجماعة، وخلال سنتين تم تزويد المرقد بالماء والكهرباء وإنشاء مرافق صحية لزائريه وأماكن الوضوء، وأقيمت فيه صلاة الجماعة، وتطور الأمر إلى إقامة المحاضرات الدينية وكان أول من ألقى المحاضرات في المرقد بعد بنائه الشيخ احمد الوائلي (رحمه الله) وكان ذلك في شهر رمضان سنة 1968.إذ شكل قدوم الشيخ الوائلي آنذاك حدثا كبيراً حيث تجمع عدد غفير من أهالي الكرادة، وتدريجياً تحول المرقد إلى مركز ثقافي وديني مهم وتجاوزت التبرعات النقود لتمتد إلى الطعام الذي يقدم لمساعدة الفقراء والمعوزين. عندئذ ازدادت الحاجة لتوسيع المقام ليتناسب وعدد الزائرين والوافدين إليه من محافظات العراق كافة.
وتم استئناف تطوير المرقد، فأقيمت الأعمدة، وهكذا شهدت أروقة المقام أولى عملية بناء مسلح. ومع زيادة التبرعات ومباركة الحوزة العلمية الشريفة عند علمها بالأمر، اُستقدم متخصصون لبناء القبة الجديدة والمنائر وأعمال الزخرفة والنقوش الزجاجية. وكان أهم الإنجازات إنشاء مكتبة ضمت اكثر من 6000 كتاب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
-تحفة الأزهار و زلال الأنهار في نسب أبناء الأئمة الأطهار / ضامن الحسيني المدني
– بحر الانساب / العلامة السيد محمد بن أحمد بن عميد الدين الحسيني النجفي-

نشرت في الولاية العدد 136

مقالات ذات صله