حمود الصراف
من المسلمين الأوائل الذين فهموا الرسالة المحمدية وعشقوا الخير والإصلاح وبذلوا الغالي والنفيس من اجل تثبيت دعائمها ومن طلائع النور الذين أسسوا دعائم الإسلام ضد الشرك والضلالة.
هو الفارس الشجاع جعفر الطيار، أبو عبد الله، القدوة الحسنة الذي نما وتفرع من غصن الأطايب صلبا قوي الايمان والتقوى.
ولادته:
ولد في بيت كريم واسع الأرجاء وموطئ الأكناف ثالث الذكور بعد طالب وعقيل، أبوه زعيم البطحاء وحكيم العرب ورجل المواقف وأمه فاطمة بنت أسد.
شخصيته:
اشترك في بناء شخصيته بالاضافة الى أمه وأبيه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في بيت يصنع التاريخ بمواقف رجاله، فسار على منهاج يحمل بين جوانحه نفساً شريفة تتطلع إلى عالم علوي بهدى واضح شابه النبي (صلى الله عليه واله) في شمائله وخلقه فتميز بخلق عال وصفات كريمة وكان فارساً شجاعاً.
اسلامه:
من أوائل الذين أسلموا كما روى الصدوق عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: اول جماعة كانت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلى وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) معه، اذ مر ابو طالب به وجعفر معه قال: يا بني صل جناح ابن عمك فلما احسه رسول الله (صلى الله عليه وآله) تقدمهما وانصرف أبو طالب فرحا وهو يقول:
ان عليا وجعفرا ثقتي
عند ملم الزمان والكرب
والله لا اخذل النبي ولا
يخذله من بني ذو حسب
(البحار: ج35/68)
وهكذا كان جعفر في الإسلام في نظر آل البيت (عليهم السلام).
سفير النبي (صلى الله عليه وآله)
من أهم المراحل التي عاشها جعفر الطيار قبل الشهادة هي المرحلة التي قضاها سفيراً عن النبي (صلى الله عليه وآله) بأرض الحبشة التي هي من أخصب الفترات التي قضاها جهاداً في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى وتجسيداً لقيم الاسلام ومثله العليا وكذلك تمثيلاً للنبي الاكرم (صلى الله عيه وآله) في الخلق والمباديء، وامتدت لتأخذ اكثر من ثلث عمر جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) نائيا عن وطنه وأحبائه في الغربة وقد خطى خطوات في نشر النور الإلهي في أرض الحبشة بصورة اخضعت ملكها للحق، الأمر الذي ازال الكثير من العقبات عن طريق الدعوة.
كان جعفر محبوباً في أرض الحبشة ومرموقاً لاسيما عند ملكها النجاشي وحزن عندما غادرها بأمر النبي (صلى الله عليه واله) فجهزه وأصحابه وأمر لهم بكسوة وحملهم في سفينتين.. وعند وصول السفينة التي تقل جعفر إلى الشاطيء لم يكون النبي وأصحابه وقت وصوله في المدينة المنورة وإنما في خيبر وكان وصوله سنة ست للهجرة ولم يكن جعفر لينتظر عودة النبي (صلى الله عليه واله )فذهبوا إليه وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتطلع لقدومه.
قال أبن أبي الحديد ان رسول الله (صلى الله عليه واله) بعث مولاه أبا رافع يتلقى جعفرا لما قدم من أرض الحبشة وفي بعض الرويات أنه خرج بنفسه من خيبر لاستقباله وأتاه جعفر وهو يحجل على طريقة أهل الحبشة، وباستقبال كبير لهم عانقه بشدة وقبله النبي (صلى الله عليه واله) بين عينيه، والتقى النصران العظيمان نصر الإسلام على اليهود في خيبر ونصر الإسلام على المسيحية وعانق وصي رسول الله طائر أهل الجنة أمام سيدهما النبي(صلى الله عليه واله) فرحين بتحقيق ما أمر الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه واله).
سار ممتثلاً لما أمر النبي (صلى الله عليه واله) لمقارعة جيش الروم بجيش أعده النبي (صلى الله عليه واله) قرابة الثلاثة آلاف من المسلمين ورتب القادة جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة في منطقة مؤتة (قرية مؤتة وهي قرية تبعد اثني عشر ميلاً من أذرح في الأردن التي فيها قبر الشهيد جعفر الطيار) وعند وصول جيش المسلمين أمام جيش الروم الضخم في العدة والعدد والذي بلغ مئتي ألف مقاتل وبعزم وثبات لم ينثنوا أمام العدة العظيمة والجيش الكبير فجاهدوا وضحوا في سبيل الله تعالى..
وفي بادرة لم يسبق لها في نظير الإسلام مثيل عقر فرسه الأشقر وكان صائما وهو يرتجز ويقول:
يا حبذا الجنة واقترابها
طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها
كافرة بعيدة أنسابها
علي إذ لاقيتها ضرابها
شهادته
(وروي قول عبد الله بن جعفر: أنا احفظ حين دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أمي فنعى لها والدي فانظر إليه وهو يمسح على رأسي ورأس أخي وعيناه تهرقان الدموع حتى تقطر لحيته، ثم قال: اللهم إن جعفراً قدم إليك الى أحسن الثواب فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلقت أحداً من عبادك في ذريته، ثم قال: ياأسماء ألا أبشرك؟ قالت بلى بأبي أنت وأمي يارسول الله، قال: إن الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة ..) (كنز العمال ج13ص447)
مضى إلى الحق شامخاً متبصراً بقلب ارتوى من حب وليه المصطفى الأمجد وسيفه في يمينه واللواء في شماله لم ينثنِ يقارع الضلالة حتى أحاطوا به بالسيوف والرماح ليكتب دروساً في البطولة إذ قطعوا يمينه وشماله فضم اللواء الى صدره واعترضه أحدهم بالسيف على راسه الشريف فقده.. ونال الشهادة في سبيل الله تعالى التي لا ينالها الا ذو حظ عظيم.
فرثاه كعب بن مالك الأنصاري بقصيدة منها:
هدت العيون ودمع عينك يهمل
سحا كما وكف الرباب المسبل
وجدا على النفر الذين تتباعوا
قتلى بمؤتة اسندوا لم ينقلوا
ساروا أمام المسلمين كأنهم
طود يقودهم الهزبر المشبل
إذ يهتدون بجعفر ولواؤه
قدام أولهم ونعم الأول
حتى تقوضت الصفوف
وجعفر حيث التقى جمع الغواة مجدل
(امالي الطوسي142)
نشرا في الولاية العدد 136