القرآن دستور حياة المؤمن

سجى محمد البديري

إنَّ القرآن الكريم رسالة الله إلى الإنسانيّة لكونه أُنزِل على النّبي محمد (صلى الله عليه وآله) ألذي بعث للنّاس كافَّة، وكذلك فهو خاتم الكتب السماويَّة وآخرها.
ومن أروع صفات القرآن العظيم الشمولية فهو كتاب شامل لكل ما يحتاج الناسُ إليه في آجِلِهم وعاجلهم، شامل لخيرَي الدنيا والآخرة، وقد دلت الآياتُ الكثيرة على هذا الشمول كقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38]
إنه النبع الذي لاينضب أبداً إنه يحاكي جميع الأماكن والأزمان وفيه حلول لجميع المشاكل والهموم التي يعانيها الإنسان في حياته ويجد فيه الحلول المثلى والمناسبة دائماً كما في قوله تعالى{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل:89]
يعلمنا القرآن الكثير الكثير وما زلنا يومياً نتعرف على شيء جديد كلما قرأناه كأنه كتب لأول مرة وكلما تعمقنا فيه واحببناه وجدنا في قرأءته طعماً آخر وكأن فيه تجدداً ويتجلى جمالاً مع ازدياد حبنا وتعلقنا به ومن المعلوم أن القلب إذا أحب شيئًا تعلق به،واشتاق إليه، وشغف به، وانقطع عما سواه والقلب إذا أحب القرآن تلذذ بقراءته واجتمع على فهمه ووعيه فيحصل بذلك التدبر والفهم العميق فنجد فيه السبيل الصحيح والطريق المعبد لله تعالى {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9]

(علامـــات حب القرآن)
إنا لنعرف أن من أحب شيئاً فرح بلقائه وأحب الجلوس معه أوقاتًا طويلة دون ملل وتمنى لقائه والتطلع إليه والتأمل فيه وإدمان محادثته وإطاعة أوامره والأمتثال اليه والهدي بهديه دائماً.
فهل تنقاد وتخشع وتخضع لأوامر القرآن ونواهيه؟
هذه أهم علامات حب القرآن وصحبته، فمتى وُجدت فإن الحب موجود، ومتى تخلفت فحب القرآن مفقود، ومتى تخلف شيء منها نقص حب القرآن بقدر ذلك التخلف وينبغي أن نعترف بالتقصير إذا لم توجد فينا العلامات السابقة، ثم نسعى في إيجادها.
ففي كل لحظة مـن لحظات حياتك أنت بحاجة إلى الله والقرآن إذا لـم ترجع إليـه إختياراً رجعت إليه إضطرارَاً فالقرآن الكريم يهذب النفس ويرشدها للطريق الصحيح في الحياة عبر الأزمان لما فيه من تهذيب وتقويم لأخلاق الانسان وتشديد لتصرفاته

(من الدروس الأخلاقية التي يعلمنا إياها القرآن الكريم) [ الصـــدق]
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (سورة التوبة119)، والصدق تلك الصفه التي تهدي الإنسان إلى البرّ وطريق الجنة، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ الصَّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ ليصْدُقُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقاً، وإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفجُورِ وَإِنَّ الفجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّاباً «(السنن الكبرى ج10ص196)، فالصدق يكون مع الله ومع نفسك ومن ثم تظهر آثاره ايجاباً في الحياة الدنيا قبل الآخرة.

(أنواع الصدق)
صدق اللسان: إن من أشد الأمراض فتكاً بمجتمعنا الحالي هو مرض الكذب والأقاويل التي لاصحة لها مما جعل من الصعب جداً توارد صفة الصدق في الحديث عند بعض الناس وهذا مانبذه القرآن ومن الآيات في ذلك: قوله تعالى: {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [الأنعام:146]
صدق النية: يجب على الإنسان أن يبتغي وجه الله تعالى في جميع أعماله وأن تكون في ذلك نيته خالصة لوجه الله تعالى لاغير.
صدق العمل: إن صدق الإنسان مع الله تعالى مرتبط بشكل كبير بتيسير أموره، وهذا يعني أن يخلص الإنسان في عمله مع الله تعالى، وأن لا يكون هدفه المراءاة أو الحصول على مديح الناس،فكل أعماله يجب أن تكون لوجه الله تعالى خالصه له وحده.
[ التــواضع] : انها صفه الأنبياء والمرسلين فيها تترفع الروح عن مواضع التكبر والخيلاء يعلمنا القرآن كيف نغرسها فينا ونجعلها صفه تسمو بها أنفسنا فأي جمال تحمل تلك الروح المتواضعه واي خلق راق ينبت في تلك النفس التي جعلت من التواضع حلية لها ان الله عزوجل في إشاراته الى رسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله) أوضح هذه الخصلة كما في قوله تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (سورة الشعراء:215) يرينا الله تعالى أهم صفة يحبها الله وتكون السبيل الرحب إليه هي صفة التواضع والرحمة التي تحبب القلوب وتستجذب النفوس إليها.
[ الرفــق]: إن الله عز وجل لطيف بعباده يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، فلايكلفهم فوق طاقتهم، بل يسامحهم ويلطف بهم يحب الرفق ولين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل، فنجد في القرآن دروساً في الرفق وثوابه فورد أنه حينما يرفق بعضكم ببعض في الدنيا فله الثناء الجميل ونيل المطالب وتسهيل المقاصد وفي العقبى من الثواب الجزيل وكل ما في الرفق خير يناله الإنسان في الدنيا والآخرة ففي العنف من الشر مثله فنهى عنه و نبه به على وطاءة الأخلاق ودعا إلى حسن المعاملة وكمال المجاملة وأوصى اللّه سبحانه وتعالى بالرفق إرشاداً وحثاً لنا على تحري الرفق في كل أمر حتى مع الذين هم أشداء في بأسهم كما في قوله تعالى: (اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (سورة طه:44)
الصـــبر: لأننا في دار ابتلاء ولأن من خصائص الابتلاء النقص في المال، في البنين أحياناً، النقص في الصحة أو في احدى النعم التي وهبها الله لنا فنجد أن الصبر ورد في القرآن الكريم في ثلاث وتسعين آية وهذا كله دلاله على أهميه الصبر في حياتنا والرضى بأقدار الله تعالى فالله عز وجل ما كان يريد بنا سوءً في شيء أبداً، انها فقط ابتلاءات يمحص فيها المؤمنين أيهم أفضل درجة وأسمى مرتبتة والصبر سمة من سمات الأنبياء ومن جميل الخلق أن يتصف المؤمن بصفه من صفات انبياء الله تعالى ليصل بذلك الى درجات عاليات من الايمان كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران:200).
الرحمة: إنها إرادة إيصال الخير للغير بغية نيل رضى الله عزّ وجلّ، هي رقّة تقتضي الإحسان إلى الْناس، والرحمة إنعام وإفضال وخلق قويم، فالتراحم بين الخلق يعني نشر الرحمة بينهم، يعني التآزر والتعاطف والتعاون، يعني بذل الخير والمعروف والإحسان لمن هو في حاجة إليه.
رحمة الله بعباده: وصف الله تعالى نفسه بالرحمة في كثير من الآيات القرآنية ومنها: قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ الله رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾، وقال: ﴿إِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (البقرة: 173)، وقال: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحمه﴾(الانعام: 12).
فضل الرحمة: يكفي الرحمة شرفاً وقدراً أنها صفة من صفات الله عزّ وجلّ، يتضمنها اسمه سبحانه: الرحمن، واسمه: الرحيم فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ولاشك أنها مرتبة لاينالها الإذو حظ عظيم وفيها واليها دعانا القرآن الكريم بغية تهذيب نفوسنا والرقي فمن أجمل صفات المخلوق أن يتصف بصفات الخالق ويحتويها في نهجه وسلوكه
الأمــــانة: إن الإنسان الأمين يحبه الله عزّ وجلّ ويرضى عنه،وصفة الأمانة صفة اتصف بها نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) حتى لقب بالصادق الأمين في زمن لم يكن للصدق والأمانه أثر في نفوس الناس لكنه تميز عنهم بها فأحبه الناس واستهوته قلوبهم ونال الحظ والخير فقط لأتصافه بالأمين وقد ارشدنا القرآن بآياته وحثنا فيها للاتصاف بصفة الأمانة وقد أعد الله تعالى للإنسان الأمين منزلة عظيمة في الآخرة، وهى جنة الفردوس أعلى مراتب الجنة، قال تعالى وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (سورة المؤمنون(8-11).
العــــفــــو: هو أن تهب مالك من حق في سبيل الله رغم الإساءة التي تصدر من الغير في حقك
فهو شِعار الصالحين الأنقياء ذوي الحلم والأناة والنّفس الرضيّة؛ لأنَّ التنازل عن الحق نوع إيثار للآجل على العاجل، وبسط لخلق نقي تقيٍّ ينفذ بقوة إلى شغاف قلوب الآخرين، فلا يملكون أمامه إلا إبداء نظرة إجلال وإكبار لمن اتصف بهذه الصفه.
فالعفو عن الآخرين ليس بالأمر الهين؛ إذ له في النفس ثقل لا يتم التغلُّب عليه إلا بمصارعةِ حبِّ الانتصار والانتقام للنفس، ولا يكون ذلك إلا للأقوياء الذين استعصوا على نزعات النّفس ورغباتها فأدركنا القرآن واشار إلينا في مواضع هذب فيها نفوسنا ناصحاً في قوله تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (سورة المائدة13)، فالقرآن هو لسان الوحي النازل من عالم النور ليضيء به عالم الظلمة والجهل والفناء أحكامه نورانيه وآياته ربانية وسوره حكم وخير وسعادة وقوانينه نظام للفرد والمجتمع…

نشرت في الولاية العدد 136

مقالات ذات صله