القرآن الكريم والإعلام

د. السيد حسين الشريفي

القرآن الكريم كتاب الله أنزله على رسوله الكريم محمد (صلى الله عليه وآله) بلاغاً للناس ودعوة إلى الصلاح والإصلاح بيّن فيه أصول العبادات وضوابط المعاملات وأنماط الأخلاق التي إرتضاها الله لبني الإنسان , حتى تستقر حياتهم على هذه الأرض فتعمر بهم وتأخذ زخرفها وتسفر عمّا إختزنه الله سبحانه وتعالى فيها وعليها من أرزاق للعباد.
ومهمة الإعلام في القرآن الكريم هي إبراز وظيفة كتاب الله لوضع بني البشر على الطريق الصحيح في حياتهم تلك هي الأهداف التي أرادها القرآن.

والقرآن الكريم نشأت على شواطئه مختلف ثمرات العلوم المتنوعة فكانت علومه ولا تزال تترى في كل وقت يستظهر المسلمون، بل وغير المسلمين صنوفاً من تلك العلوم تتنوع تبعاً لتخصص الدارسين للقرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, لأنه تنزيل من حكيم مجيد حميد.
فالقرآن يخاطب الناس كلاً حسب صنفه بما يناسبه موضوعاً ووسيلة فخاطب المؤمنين الذين اتبعوا النبي (صلى الله عليه وآله) وآمنوا بالقرآن لهم خطاب وأسلوبٌ ثم خاطب الكافرين والمنافقين، لكلٍ منهم خطاب وموضوع ثم هو يحدد مهمة الداعي صاحب الرسالة في آياتٍ بينات, ويزوده بالأمثال ليكون الإمتثال ثم يشرح حجج القوم ويناقشها مفنداً إياها داعياً لحرية الإعتقاد معلماً رجال الإعلام في طرق الإقناع الإعلامي المضيء في القرآن كما جاء في قوله تعالى (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)(النحل: 89).
مهمة الإعلام والإتصال بالجماهير :
نحن الآن نعيش في ثورة عالمية إعلامية هائلة بفضل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية من خلال الإتصال بالعالم عبر شبكة الإنترنت والشبكات الأخرى العنكبوتية ويطلق عليها (Mass Communication) وهذا الإعلام الموجه إلى الإنسان لا يتوقف في أية لحظة من لحظات الليل والنهار وهذا الإتصال جعل الإنسان يفتح عينيه وينهض من نومه بمؤثرات إعلامية تتسابق للتأثير على عقله وإتجاهاته وتظل تلاحقه طوال اليوم.. فكان لا بد من أساليب الإعلام في القرآن الكريم التي نود أنْ نقدم لذلك بحقيقة هامة وهي دعوة الله تعالى إلى الدين القيّم الذي أكمله ليكون آخر الأديان السماوية المنزلة على عباده في كل كلمة أو آية منه دعوة ونداء أو مناشدة إلى الرسالة المنزلة من السماء منها ما يخاطب العقل وما يخاطب القلب, وما يتصل بالظاهر وما يتعلق بأعماق النفس، وما يخاطب الفرد كأنما يناجيه، وما يخاطب المجموع فيكون له دويّ لا تتسع له الأرض.
كما إنَّ في كل كلمة أو آية، علم أو بيان، أمر أو نهي , ترغيب أو ترهيب زجر أو إيحاء, فكر أو نبأ، حكمة تخاطب أكبر العقول, أو فن يخاطب وجدان أبسط الناس، شفاء لما في الصدور، أو تجربة أو رؤية تقود إلى الآفاق الروحية للعلم الإلهي الذي لا تحده حدود, وغير ذلك من أساليب ووسائل فعّالة تتعدد وتتنوع في الشكل والمضمون والدرجة، لتؤثر في الإنسان والجماعة الإنسانية كلها تقود إلى دين الله وإلى ما يرتضيه من القول والسلوك ليتحقق به الخير والكمال للحياة.
ومن هذا المنطلق، فلا نستطيع أنْ ندعي أننا سنقدم هنا كل ما يتضمنه القرآن الكريم من أساليب في مجال الإعلام، وقصارى ما يبلغه الجهد أنْ نقدم أبرز ما نطالعه في هذا المجال هو تنظيم الجهاز الإعلامي القرآني :
1- إنشاء جهاز إعلامي متطور يقوم على أساس الخطاب القرآني في فكر أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير آيات القرآن الكريم في كل دولة من الدول الإسلامية والجاليات الإسلامية في الدول الإخرى.
2- أنْ تكون هناك تربية دينية لكل المهن المختلفة كالطب والتجارة والهندسة وغيرها، أي تخريج تلك الإختصاصات وتدريبهم بالقيام بالإعلام القرآني مع فهمهم التام لمهنتهم الأصلية.
3- إنشاء قسم أصول الإعلام القرآني في كل الجامعات الإسلامية.
4- إنشاء أقسام لتدريس اللغات الأجنبية والمصطلحات الدينية مع تعليم الإعلام في القرآن وأساليبه.
5- تدريس العادات والتقاليد الإجتماعية للدول التي تُرسل إليها الدعاة حتى يعرفوا كل أحوالهم الإجتماعية .
6- فتح الدراسة في علم النفس والإعلام والنظم السياسية ودروس الخطابة والحديث وعلم مقارنة الأديان مع دراسة التفسير والفقه.
7- إختيار هؤلاء الدعاة من خيرة المتقدمين خلقاً ليتخذوا قدوة يهتدى بهم السامعون لهم.
8- أنْ تمنح شهادات لهم بعد إمتحانات خاصة تجيز لهم القيام بتدريس علوم القرآن وتفسير آياته والإطمئنان لمستواهم فعملهم هو تبليغ رسالة سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة والسلام على آله الطيبين الطاهرين.
9- تنظيم عمل الجهاز الإعلامي القرآني وأقسامه المختلفة تحت إشراف أساتذة متخصصين بعلوم القرآن الكريم.
10- تؤلف رسائل مبسطة كخطب الجمعة والمحاضرات بأساليب إعلامية حديثة ترتبط بمفاهيم القرآن من الناحية الدينية والدنيوية من خلال نظريات العلاقة الإنسانية في الإعلام والتكافل الإجتماعي والعبادات السهلة والإدراك.
11- إنشاء مجلة محكمة دولية شارحة فيها علوم القرآن عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وفيها أبواب متخصصة .
12- دور المرأة المسلمة الداعية لدين الله يمكن أنْ تتعلم أصول الإعلام القرآني وتبين للشعوب المختلفة ونسائها بأنَّ المرأة في الإسلام لها دور هام إجتماعي وإنساني وأنَّ القرآن أعطى للمرأة ما لا يعطيه أي نظام أيدلوجي للمرأة.
13- الآثار العظيمة للقرآن الكريم على المستوى العالمي :-
يعتبر القرآن والآثار التي أحدثها أهم وأعظم كتاب شهده تأريخ البشرية وتأتي هذه الشهادة من كتّاب ومؤرخين من الغرب ومن كل مكان في العالم وعن أثر القرآن يتحدث الفيلسوف جوستاف لوبون فيقول (إنَّ الشرق بفضل القرآن يعيش في طمأنينة وسلام، وقد بلغت شعوبه التي هي أكثرية البشر درجة ظاهرة من السلام الهادئ الذي هو عنوان كل سعادة على خلاف ما تشهده بعض الشعوب من انقسامات وخلافات وحياة صاخبة مدمرة، لقد تمتعت شعوب الشرق بما خسرناه من التماسك والسلام فمعتقدات هذه الشعوب ما تزال قوية وتحافظ على أسُرها وعلى إستقرارها القديم فبقيت مقومات الحياة كالإيمان والأسرة والقيَّم والأخلاق والتقاليد التي أصابها في الغرب ما أصابها من الهدم بقيت مؤثرة في الشرق بفضل الإسلام الذي أقامه القرآن) وأما ديورانت مؤلف قصة الحضارة قد عبّر عن القرآن في آثاره: كتاب آخر عرفه الناس وهو بإجماع الآراء خير كتاب عرفته الإنسانية..
كما يحدثنا في فصل آخر فيقول إنَّ القرآن يبعث في النفوس أسهل العقائد وأقلها غموضاً وأبعدها عن التعقيد والتقيّد بالمراسم والطقوس وأكثرها تحرراً من الوثنية والكهنوتية , وقد كان له الفضل في رفع المستوى الأخلاقي والثقافي والإجتماعي كما أقام الوحدة الإجتماعية لهم وحرر عقولهم من الخرافات والأوهام ومن الظلم والقسوة وبعث في نفوس الأذلّاء الكرامة والعزة وأوجد بين المسلمين درجةً مناسبة من الإعتدال والبعد عن الشهوات لم يوجد له نظير في أية بقعة من بقاع العالم يسكنها الرجل الأبيض وحثهم في الوقت نفسه عن التوسع بنشر تعاليمه بين الشعوب فحققوا من الفتوحات مالم يشهده التاريخ كله. ويذكر ديورانت: أنَّ القرآن عرّف الدين الإسلامي وحدده تحديداً لا يجد المسيحي واليهودي الصحيح للعقيدة ما يمنعه من قبوله فيقول :
(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ)(البقرة: 177).
كما إنَّ القرآن حضَّ الناس على مكارم الأخلاق في كثير من الآيات , فلا بد من إظهار القرآن من خلال الإعلام العام بالوسائل في أعلى تقنيات الإعلام المعاصر في البحوث الميدانية والبحوث التطبيقية , وإذا أردنا السرد والبحث لربما نحتاج إلى صفحات واسعة وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين .

نشرت في الولاية العدد 134

مقالات ذات صله