الصور الفنية في شعر الشيخ عبد الرحيم الغراوي

م. م ختام محمود الغراوي

يصنع الشعر من علاقة الكلمات بعضها ببعض بما يشبه النسيج، فكل عمل أدبي يصنعه الشاعر لابد ان ينتقي ألفاظه من صورة معينة، فالانتقاء عملية غاية في الدقة والأهمية بالنسبة للأديب في حالة استعماله مادة اللغة سواء في الاستعمال التاريخي للمفردة او في أسرار تركيبه لان ذلك سيعود في طبيعة الحال الى التوليد والاستعمالات الجديدة، ويقترن بذلك الاقناع الفني الذي يتولد من الإيمان بالصورة الفنية في لمسة الخيال المحكمة، فالصورة الشعرية هي الوسيلة التي تمكن الأديب من نقل فكرته وعاطفته الى قرائه وسامعيه، وإثارة العاطفة عندهم فالشاعر يحاكي الخيال ويصنع في ذهن القاري صورة من خلال براعته في نظم الشعر فالصورة الشعرية في نظر النقاد هي الوسيلة الجوهرية لنقل افكار الأديب وجوهره، بل انها تتعدى ذلك لتكون الغرض الكلي التي من خلالها يمكن الوصول الى التأثير المنشود.
وتتميز الصورة الشعرية في شعر الشيخ عبد الرحيم الغراوي، بأن أغلبها صور بسيطة وغير معقدة، ولعل ذلك يعود الى نظم الشيخ لأشعاره في المناسبات الدينية والوطنية، لذا فمن الطبيعي أن تكون القصيدة في تماس مع الجماهير فيكون حظ الشاعر من الخيال ضعيفا، فالصورة الشعرية تعتمد كليا على الخيال والتي تبرز بشكل فعال في بعض النصوص الشعرية التي حملت نبضات تصويرية معبرة في إبراز خيال الشاعر. وقد اعتمد الشاعر في ذلك على عدد من وسائل البلاغة.

التشبيه في شعر الشيخ عبد الرحيم الغراوي
من المعروف ان التشبيه هو أحد أهم أركان البلاغة، وهو وسيلة الخيال لتأليف الصورة البيانية التي يدركها الذهن لما للتشبيه من روعة وجمال وهو طريقة من طرق الوصف ووسيلة لاختصار الكلام لتقريب المعنى فيذكر الجرجاني (1) ان التشبيه يعمل عمل السحر في تأليف المتباين حتى يختصر ما بين المغرب والمشرق، ويريك في المعاني المتمثلة بالأوهام شبها في الاشخاص الماثلة والأشباح القائمة ، وينطق لك الاخرس ويعطيك البيان من الأعجم ويريك الحياة في الجماد، ويريك التئام عين الأضداد، فيأتيك بالحياة والموت مجموعين (2).
ونتيجة للثقافة القرآنية التي استقاها شاعرنا من ميدان الدراسات الدينية والتي تبدع في رسم الصور البلاغية، فانه أبدع في رسم التشبيه في شعره كقوله:
كأنما هي جنات منوعة
بها ضلال وأدواح وأشجار (3)
ويرسم الشاعر صورة تشبيهية أخرى حين يشبه أصحاب الحسين عليه وعليهم السلام وهم يصولون على أعدائهم كالأسود الضواري على فرائسها بقوله:
يصولون كالأسد الضراغم في العدى
ببيض المواضي والمثقفة السمر
وصارت دماء القوم بالطف أنهرا
جرت مثلما تجري السيول الى البحر (4)
فيبدع الشاعر في تشبيهه ذاك برسم الصورة امامنا بضراوة المعركة وسيل الدماء وجعجعة الحرب فتتجلى براعة التشبيه ودقتها واضحة للعيان.
صورة وحدث
ويستطيع المتصفح لديوان الشاعر ان يلتقط التشبيه في مواضع كثيرة، بل لعل جميع قصائد الشاعر على اختلاف أغراضها وتنوعها لا تكاد تخلوا من الوصف العميق المعبر عن الحجم الحقيقي للأحداث التي يوردها في قصائده، وقد كشفت تلك الصور عن دقة الشاعر في استنطاق القصيدة ونقل الذهن الى موضع الحدث ووقته رغم الزمن الفاصل بينهم، وهو في كل مرة استخدم صورة جديدة لبيان فكرته تتناسب ونوع الحدث وطبيعة الحالة الشعرية التي ترافقه كقوله وهو يصف علم الامام الجواد عليه السلام الذي فاق علوم الناس راسما صورة حوارية للإمام الجواد عليه السلام وهو يتصدى للإجابة عن الاستفسارات العلمية والعقائدية في جمع من الناس في مجلس المأمون العباسي، اذ يقول:
فقام بتفسير المسائل كلها بمندلقٍ في حده كالبواترِ
فقال له المأمون سله فإنني أراك جديرا بالجواب المباشر
فقال له يحيى (5) فهلا سمحت لي بمس الة كاللؤلؤ المتناثر
تعلمتها من فيض علمك إنه غزير كسيل الأجبل المتحدر (6)
استخدامه الاستعارة في القصائد
رسم صورا بلاغية دقيقة من خلال انتقائه للاستعارة في أغراضه الشعرية، ومن المعروف ان الاستعارة نوع من الإبداع الرفيع، فوقعها في النفس اشد ومنزلتها في البلاغة اعلى ، فالصورة التي تأتي عن طريق الاستعارة تؤدي غالبا قيمة فنية أعلى (7) وأعمق من التشبيه (8) ومن أغراضها المبالغة والاختصار والإيجاز والكناية والتشخيص، لإسباغ الروحي على المحسوس وجعله اكثر حيوية.
كقول الشاعر:
بأيناعها للناس تبقى كرامة من الله في حق الامام المعاصر (9)
واستخدم الاستعارة بقوله:
رانت على هذي القلوب غشاوة فمشت بقسوة جائر ومعادي (10)
ومن استخداماته للكناية قوله:
يا بن الإمام علي الطهر يا حسناً به تزان القوافي الغر والفكر
فاستخدم لفظ تزان القوافي كناية عن فصاحة لسان الامام عليه السلام وحسن التكلم اذ يقاس كلامه بالشعر الموزون المقفى.
وله في التجسيم صور مهيبة محسوسة ومجسمة معبرة كقوله:
وقلعت من ألواحنا غرس الشقا في همة من أصله المتجذر
إذ استعار غرس الشقا كصورة تجسيمية توحي بأن الشقا شجرة متجذرة قلعت من اصلها.
ويصر الشاعر في أغلب قصائده على رسم صورة مستمدة من الواقع الذي يعيشه والبيئة الدينية التي ترعرع بها والفكر العقائدي الذي يحمله، ونقل الطابع الصوري الذي حمله الحس الشعري والخيال الذي جسده في قصائده والذي كشف عن العلاقة الوثيقة بين معتقداته الفكرية الدينية وطبيعة ميوله للشعر دون أن يفوته امتهان طريقة العرب التقليدية في الصياغة، وبشكل عام فقد استخدم الشاعر طاقاته مجتمعة لغرض النظم.
——————-
المصادر:
1 – عبد القاهر الجرجاني (ت 395هـ) اسرار البلاغة
2 – الجرجاني ص 11-12.
3 – الديوان، قصيدة ( يا باعث النور ) في النبي محمد ص، ص80
4 – الديوان، ص124.
5 – يراد به يحيى بن اكثم
6 – الديوان ، 193.
7 – جواهر البلاغة، 303.
8 – عبد القادر الرباعي، الصورة في النقد العري، مجلة المعرفة.
9 – الديوان ، 194.
10- م.ن، ص232.

نشرت في الولاية العدد 134

مقالات ذات صله