م.م. وسن الجبوري
إن البحث الجاد والشامل في قضية القيادة في العالم الإسلامي ضرورة دينية حيوية بل مصيرية.. لأن هذه القيادة أضحت تعاني أزمة حادة ومستعصية لأسباب كثيرة داخلية وخارجية، فلا بد من التفكير بحل صحيح يكون علاجاً لهذا الواقع المؤلم، وإسهاماً في وضع خطة مستقبلية محكمة تبني الحياة من جديد وتعيد الثقة في المجتمعات الإسلامية.
القيادة لغة واصطلاحا:
جاء في (الطراز الأول) لابن معصوم المدني: (قادَ الدابّةَ يَقُودُها قَوَداً وقِياداً وقِيادةً ….: أَخَذَ بِرَسَنِها وَمَشى بِها خَلْفَه).
هذا هو المعنى اللغوي لهذه الكلمة، وفيه أربعة أشياء: قائد، ومَقُود، وواسطة للقيادة، وسير على نحو التابع والمتبوع، ومنه تتفرع المعاني الاخرى.
أما القيادة في التعريف الاصطلاحي: فهي الارادة ثم العمل واثارة رغبة العمل في نفوس الاخرين وتوزيع الجهود والمسؤوليات لتحقيق الاهداف.
وقيل هي تعميم الانضباط عن رغبة لا عن خوف والاهتمام بالمصلحة العامة قبل المصلحة الخاصة، والمحافظة على تماسك الوحدة في الشدائد والملمات.
القيادة الناجحة والحاجة اليها:
من الامور البديهية في المجتمعات انه لا بد من وجود نظام دولة (حكومة) وقد قرر اكثر علماء الاسلام ان الامامة او نظام الحكم واجب لحاجة الامة الى احقاق الحق وابطال الباطل ومقاومة الظلم وفض الخصام والتنازع وايجاد معالم الاستقرار في البلدان، وانهاء مظاهر التخلف ومطاردة عوامل التأخر من فقر وجهل ومرض، وبناء الحياة حسب متطلباتها المعاصرة من زراعة وصناعة وتجارة وتوفير النظام وقمع الفوضى.
وآفة العالم الاسلامي المعاصر هو فقدانه للقيادة، فمع انه يتوفر في كل وسط من الاوساط حاكم او قائد، ولكنهم ليسوا بالمستوى المطلوب لتخليهم عن حقائق الاسلام ومنطلقاته واصوله وتفعيل شرائعه وتطبيقها في الحياة.
مؤهلات القيادة الناجحة:
مؤهلات القيادة الناجحة تتحقق بأخذ الاسلام دينا ونظام حياة وهذا يتطلب ما يأتي:
1. اعداد القائد اعدادا اسلاميا كافيا متعمقا بفهم الاسلام فهما صحيحا شموليا وهذا لا يتوفر الا بوجود العدالة الدينية والاخلاقية والكفاية العلمية في شؤون الدين وقضايا العصر، مع الاتصاف بسمات القيادة الناجحة من جرأة وشجاعة وحزم وضبط نفس ورجاحة الرأي في القضايا السياسية والادارية والاقتصادية.
2. الاستعداد لأداء الواجب الاسلامي الصحيح دون تأثر بآراء مغايرة للإسلام ولا تعصب لبلد او اقليم او قطر او جماعة مذهبية معينة.
3. وجود النظرة البعيدة لدى القائد، والامل والتفاؤل في تحقيق الامجاد واستقلال البلاد وتمنع هذه النظرة كل مظاهر الضعف والاسترخاء وعقدة الخوف من الاخرين مهما كانوا اقوياء.
4. القائد لا بد ان يتصف بسمات كثيرة اهمها: التواضع والهدوء وضبط النفس والحزم والقدرة على اتخاذ القرار الصائب ومعرفة الرجال واحتواء الخصم وكثرة الاحسان.
عوائق القيادة الناجحة:
غالبية المتصدين للقيادة الاسلامية في الوقت الحاضر ليسوا بالمستوى المطلوب فهم إمّا أن تنقصهم التربية الدينية والخلقية، أو يفتقدون للمقومات اللائقة بقيادة الامة، واسباب هذه الازمة ترجع الى عوامل كثيرة منها:
1. عدم مواكبة تقدم العلوم والفنون والصناعات الحديثة، لأن قوة الاقتصاد والاعتماد على الذات والافادة من العلوم التجريبية الحديثة والصناعات المتطورة يعد حصنا منيعا يحمي الامة من كل الوان الضعف والهوان وتسلط الاعداء.
2. عدم ايجاد جيش قوي يستطيع مواجهة تحديات الاعداء التسلطية.
3. الابتعاد عن خصائص نظام الحكم في الاسلام التي من اهما الشورى والتزام العدالة حتى مع الاعداء، واشاعة الحرية بانواعها ضمن مقاصد الشريعة الاسلامية، ومراعاة النظام العام والاداب وعدم المساس باحكام الله وشرائعه المقررة.
4. الانفاق غير المشروع والبذخ والاسراف في غير ما يعود على الامة بالخير والتقدم والرخاء.
5. ظاهرة الاعلام غير الملتزم بتطلعات المسلمين الحقيقية ولا بآداب شرع الله ودينه.
ان اعداد القادة ليس مسالة عفوية تترك للاقدار من دون تخطيط واخذ بالاسباب، وليست مسالة نبوغ فردي شخصي لفرد يقتحم الصفوف وحده حتى يصل الى سدة القيادة بل هي عملية شاقة وطويلة تبدأ منذ نعومة اظافر الاجيال الجديدة، لتنمية الملكات واكتشاف المهارات وصقل القدرات فيهم في عملية متتابعة لتنشئة القائد المرجو.
وهي عملية بناء متكامل لقادة سوف يؤسسون امة تحتاج من يصلح لها حياتها كما يحفظ لها كيانها في دنيا باتت مليئة بالكثير من المتغيرات التي تحتاج للجمع بين الاصالة والمعاصرة.
نشرت في الولاية العدد 88