إن من أراد أن يطهر نفسه وصحيفته لا بد من أن يراقب لسانه لأنه كما قال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: (وهل يكب الناس على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)، فيجب على الانسان المؤمن الذي يرجو لقاء ربه بصحيفة بيضاء ان يبتعد عن معصيتين من معاصي اللسان وهما الغيبة والبهتان لما لهما من اثار دنيوية واخروية على حياة الفرد والمجتمع.
فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه واله معنى الغيبة والبهتان بقوله: (أتدرونَ ما الغيبةُ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «ذِكركَ أخاك المسلم بما يكره، قيل: أفرأيت إنْ كان في أخي ما أقول. قال: إن كان فيه ما تقولُ فقد اغْتَبْتهُ وإن لم يكن فيه ما
تقول فقد بهتَّهُ».
فالغيبة هي ذكرك أخاك المسلم بما يكره مما فيه من خلفه، وقد ورد لفظ الغيبة في القرآن الكريم مرة واحدة في سورة الحجرات الآية 12 حيث قال تعالى (ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه).
وقد نهى اهل البيت عليهم السلام عن الغيبة والاثار الناجمة عنها فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته إلى نوف البكالي: (اجتنب الغيبة فإنها إدام كلاب النار، ثم قال : يا نوف كذب من زعم أنه ولد حلال وهو يأكل لحوم الناس بالغيبة) (وسائل الشيعة المجلد 8 من أبواب أحكام العشرة ، ح16).
ولا تقتصر الحرمة على من يغتاب بل الاستماع للغيبة أيضاً من المحرمات، وقد ذكر في بعض الروايات أن المستمع مثل المغتاب في كل الامور فعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (المستمعُ أحد المغتابين، فينبغي على المؤمن المستمع، أن يردَّ على المغتاب ان استطاع ذلك، ليأمن جريرة الاشتراك في الاثم أوّلاً ويحصل على جزيل ثوابِ الرّد ثانياً).
وفي وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام): (يا علي من اغتيب عنده اخوه المسلم فاستطاع نصره فلم ينصره خذله الله في الدنيا والآخرة).
وأما البهتان فهو أن تذكر أخاك المسلم في خلفه بما يكره بشيءٍ ليس فيه، وهو أشد معصيةً من الغيبة، وقد حذر القرآن الكريم والاحاديث الشريفة منه اشد تحذير قال تعالى: (وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا).
قال (صلى الله عليه وآله): (من اغتاب مؤمناً بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنة أبدا، ومن اغتاب مؤمناً بما ليس فيه، فقد انقطعت العصمة بينهما، وكان المغتاب في النار خالداً فيها وبئس المصير).
وعن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من بهت مؤمنا أو مؤمنة بما ليس فيه بعثه الله في طينة خبال، حتى يخرج مما قال، قلت: و ما طينة الخبال؟ قال: صديد يخرج من فروج المومسات).(الكافي ج2ص357ح5).
فعلينا الاهتمام بتزكية النفس وتطهيرها، وترويض النفس على ترك الغيبة بمراقبة اللسان، والتفكير بمساوئ الغيبة واستعظام خطرها، واستشعار الخوف والرهبة من عواقبها الوخيمة الدنيوية والاخروية، والابتعاد عن مجالس الغيبة ومقاطعة رفاق السوء والاهتمام بصحبة الصلحاء الأخيار ومخالطتهم والاكثار منهم وتعاهد مجالس الذكر وإحيائها.