شباب اليوم ومتاهة الوعي

work

رقية هشام السماك

لم يكن حال الشباب العراقي في السابق كالذي يعيشه معظم شبابنا اليوم في ظل غياب للوعي والثقافة والخلق أحيانا والتي انعكست سلباً على جميع تصرفاتهم اليومية في الجامعات والشوارع والمقاهي وعلى مدرجات الملاعب وغيرها من الأماكن حيث تواجد الشباب فيها، ففي السابق وكما ينقل لي احد الإخوان وبالأخص في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات كان الشباب وطلاب الجامعات والثانويات يمتلكون من الوعي الثقافي والعلمي ما لا يملكه أي طالب في الدول العربية وحتى الإقليمية لما بلغه الطالب العراقي في ذلك الوقت من تخمة في المطالعة والقراءة وذلك من خلال ارتيادهم الأندية الأدبية والمكتبات المختلفة ليتزودوا من المناهل العلمية والثقافية التي تحتويها تلك الأماكن وصفحات الكتب من مختلف الثقافات فأخبرني ان بعض الطلاب كانوا يتسابقون لاقتناء وشراء المسرحيات والروايات العالمية من محلات بيع الكتب واستعارتها من اقرأنهم, فان هذا التحمس بات غائبا اليوم أو معدوماً وهذا ما ينقله لي احد أساتذة اللغة الانكليزية في الصف السادس العلمي، إنه يعاني من تدهور الثقافة وضعف اللغة الانكليزية عند الطلاب في هذه المرحلة التي تعتبر مفصلية للطلاب مؤكدا لي أن الطالب في الثمانينيات الذي كان هو من بينهم يتحدثون اللغة الانكليزية أفضل من معلمي ومدرسي المادة نفسها في هذه الوقت وعزا أسباب هذا التدهور الى عدم بذل الجهد من قبل الطلاب في القراءة والمطالعة وهجرانهم للكتب التي قد تشكل جزء كبيرا من بنيتهم الثقافية والأدبية، ولم يقتصر الأمر على هذا الأستاذ لأن زميله في اللغة العربية يعاني هو الآخر من تدهور حال الطلاب في هذه المرحلة التي لا يفرق بها الطالب بين الفعل المبني والفعل المعرب ولا يستطيع بعض الطلاب -الذين هم قاب قوسين او ادنى من دخول الجامعات العلمية والأدبية- أن يعرب جملة تتكون من خمس كلمات.
هذا حال الشباب في وقتنا الحاضر يفتقرون إلى كل شيء ينمي ثقافتهم، فبدلاً من أن يطالع الشاب كتاباً ما يضيف به شيئاً إلى مخزونه الثقافي والأخلاقي يمضي ساعات طويلة في تصفح الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي و (الفيس بوك) وغيرها، وبدلا من ارتياد المكتبات والأندية الثقافية والأدبية نجدهم اليوم يفرغون كل وقتهم وطاقاتهم في المقاهي والكازينوهات الليلية وهم غارقون في تعاطي السكائر ولعب البليارد والدومينو فضلا عن الألعاب الالكترونية التي لا تجلب لهم سوى المشاكل العائلية والاجتماعية .
هذا التحول في حياة الشباب اليوم يعطي مؤشرات خطيرة لمستقبل مظلم قد يؤدي إلى تاريخنا المشرف بالعلم والحضارة إلى هاوية الجهل والتخلف، لذا يأتي هنا دور جميع المؤسسات العلمية والثقافية لبث الوعي ونشره عبر وسائل الإعلام المختلفة على أن ما يجري اليوم بحالنا هو من صنيعة أيدٍ خارجية همها الوحيد هو إبعاد أبنائنا عن المبادئ التربوية والآداب الإسلامية الحنيفة التي كانت تتحلى بها كل شباب العراق في العقدين الماضيين والذين نجد إبداعاتهم اليوم من خلال نتاجاتهم الثقافية والأدبية والعلمية، لذا علينا نحن كشباب الانتباه إلى الشبكة التي تحاك من حولنا وإسقاطنا في مصيدة وباء التخلف.

نشرت في الولاية العدد 92

مقالات ذات صله