أن للتعليم أهمية بالغة في حياة الشعوب والامم، والعملية التربوية تتأثر بعوامل وتؤثر في عوامل اخرى، ولما كان التعليم عملية استثمار للموارد البشرية واعداد للامة وصقل لشخصيتها وتبيان لملامح هويتها توجب علينا كباحثين ومختصين ان نسلط الضوء على اهم القضايا التي تمس موضوع التعليم ونناقش اهم سلبياته وايجابياته، وقضية اليوم قضية مهمة لها تأثير قوي على العملية التربوية وتستطيع ان تغير وجهتها وتتحكم في نتائجها ومخرجاتها الا وهي قضية علاقة الطالب بالأستاذ في الحرم الجامعي، من المعروف ان الطالب في المرحلة الإعدادية كثير التشوق والحماس للدخول للجامعة لاكمال مسيرته العلمية ونيل الشهادة الجامعية في الاختصاص الذي يرغب فيه ومجرد دخول الطالب الى الجامعة وبدء العام الدراسي يلوح في الافق عدد من المشاكل التي تعكر صفوة الدراسة الجامعية ومن تلك المشاكل علاقة الطالب بالأستاذ، فالطالب الذي أتى توا من مقاعد الدراسة الثانوية لازال ينتهج الاسلوب نفسه الذي كان عليه ويعامل الأستاذ كما كان يعامل المدرس فهو غالبا لا يدرك ان شخصية واسلوب الاستاذ الجامعي تختلف عن شخصية مدرس الثانوية وذلك لأسباب عديدة اهمها مركز الاستاذ الجامعي وطبيعة العلاقات الجامعية وامور اخرى.
وحديثنا اليوم يتمحور حول كيفية التخلص من هذه المشكلة والخروج بمعالجات وحلول ناجعة تساهم في الارتقاء بالواقع التعليمي، هناك اسئلة كثيرة ترد في ذهن القارئ حول طبيعة العلاقة بين الطالب والاستاذ وعلى من تقع المسؤولية حين يحصل سوء فهم في العلاقة هل يقع على الطالب ام على الاستاذ كونه الاكبر سنا والاكثر نضجا وتفهما للحياة ولأن لديه باع طويل في التدريس وقد مرت عليه اجيال متعاقبة من الطلاب وهو يعرف كيفية التعامل مع شخصيات الطلبة المتنوعة، وحتى نفهم الموضوع اكثر ونتعرف على رأي المجتمع فيه ارتأينا ان تكون لنا جولة في اروقة الجامعات العراقية لنتعرف على هذا الموضوع من وجهة اهل الاختصاص ومن يهمهم الامر وكان سؤالنا هو ماهي اسس العلاقة بين الطالب والاستاذ في الحرم الجامعي هل يجب ان تتحدد بأطر وحواجز ام تكون مفتوحة وغير ماطرة؟
إذ أكد الدكتور صالح حسون عبود معاون عميد كلية العلوم للشؤون العلمية في جامعة الكوفة: على ضرورة تقليل الحاجز بين الطالب والاستاذ في الحرم الجامعي حتى يشعر الطالب بالثقة والدعم النفسي الذي يؤهله ويأخذ بيده نحو اكمال مسيرته التعليمية وتحقيق التوافق في المجالين العلمي والعملي مع ضرورة بقاء الجزء المتعلق بالاحترام والتقدير وعدم تجاوز هذا الحد حتى لا يحصل تصادم بين الطالب والاستاذ .
وتحدثت لنا الدكتورة ابتسام المدني من كلية التربية الاساسية / جامعة الكوفة : بالتأكيد لا يمكن أن تكون العلاقة بين الطالب والاستاذ علاقة مفتوحة مطلقة، لأنه من المفترض أن تكون هناك حدود وأطر في كل العلاقات البشرية فيتوجب ان يكون هناك حدود بين كل انسان وانسان، فمثلا علاقة الاب بأبنائه يتوجب ان تكون مؤطرة بحدود وكذلك علاقة الصديق مع صديقه وهكذا، وبالنسبة لعلاقة الاستاذ بالطالب هناك آراء متناقضة ومختلفة فمنهم من يرى ضرورة وجود جدران حديدية تفصل بين الطالب والاستاذ في الحرم الجامعي ومنهم من يرى ضرورة وجود علاقة قوية غير محددة وغير مأطرة حتى يأخذ الطالب حريته في التحدث مع الاستاذ اما وجهة نظري الشخصية بهذا الموضوع فهي لا افراط ولا تفريط، وحبذا لو كانت العلاقة بين الطالب والاستاذ كعلاقة الاب بابنه علاقة يسودها الاحترام المتبادل بين الطرفين بحيث يعرف كل منهما حقوقه وواجباته .
أما رأي الدكتورة يسرى شاكر جاسم وهي تدريسية في كلية الآداب/ جامعة بغداد /قسم اللغة العربية تحدثت الينا قائلة: فيما يخص العلاقة بين الاستاذ والطالب في الحرم الجامعي بلا شك ان هناك تدني في مستوى هذه العلاقة ولا يمكن إلقاء اللوم على الطالب الجامعي فقط وانما يتحمل كلا الطرفين أي الطالب والاستاذ وزر هذا التدني، فيفترض بالأستاذ ان يتعرف على اصول التعامل مع الطالب ولاسيما داخل قاعات المحاضرة فمن الممكن ان تحدث هناك مواقف تستدعي شيئا من التراخي من الاستاذ لكن يتوجب ان لا يؤدي هذا التراخي الى تدني مستوى المعاملة وفي نفس الوقت لا يجب ان يتعالى الاستاذ على الطالب وكأنما الاستاذ لم يكن طالبا في يوم من الايام، كما يتوجب على الاستاذ الجامعي ان يدرك أن الطالب في المرحلة الاولى يكون في مقتبل العمر وليس لديه تجربة سابقة في كيفية التعامل مع الاستاذ فيتوجب على الكادر التدريسي الجامعي ان يحتوي الطالب ويعلمه الاسس الصحيحة في كيفية التعامل مع المستوى الجديد الذي هو فيه وشيئا فشيئا يتعلم الطالب اصول المعاملة وحدود العلاقة بين الطالب والاستاذ في الحرم الجامعي .
وأخيرا قالت الدكتورة ورود ناجي / كلية اللغات/ جامعة بغداد: العلاقة بين الطالب والاستاذ يتحكم بها الاستاذ وليس الطالب فالأستاذ المحترم الواثق من شخصيته ومن معلوماته العلمية يفرض شخصيته واحترامه على طلابه، والاستاذ الناجح هو الذي يعمل دائما على تطوير العلاقة بينه وبين طلابه وفق اسس ومفاهيم صحيحة بحيث يجعل من قاعة المحاضرة مكانا يسوده الاحترام المتبادل بين الطرفين بين المعلم والمتعلم.
وبعد أن أخذنا وجهات نظر مجوعة من الأستاذة الكرام وكلهم اكدوا على ضرورة وجود حدود في العلاقة بين الطالب والاستاذ في الحرم الجامعي، وحتى تتكون لدينا صورة واضحة حول هذا الموضوع لابد ان نأخذ برأي الطرف المقابل الا وهو الطالب الجامعي وماهي وجهة نظره حول علاقته بأستاذه في الجامعة هل لديهم نفس الرؤى التي لدى اساتذتهم ام ان لهم وجهات نظر مختلفة ، لذا التقينا بالطالبة حميدة احمد الربيعي قسم اللغة العربية / كلية التربية / جامعة كربلاء/ قالت : غالبا يلوح امام ناظرينا عبارات منهجية بأن المؤسسة التعليمية هي البيت الثاني لكن هل التمسنا حقا هذه العبارة في الواقع هل شغلت حيزا من حياتنا وتركت آثارها، مع شديد الاسف قلما نجد في الدول النامية تطبيقا لها، فالتعليم متأخر من جميع النواحي حتى من ناحية علاقة الاستاذ بالطالب، فحبذا لو كانت هذه العلاقة ودية كأن تكون علاقة صداقة قوية يشعر من خلالها الطالب بان المؤسسة التعليمية مكان ينتمي اليه يعبر فيه عنه نفسه وما يجول بخاطره ويفرغ طاقاته بعناية وتوجيه من اساتذته على ان تكون هذه العلاقة ضمن اطارها وحدودها من غير تجاوزات أي ان تكون علاقة عطف من الاستاذ واحترام من الطالب .
وأكدت ضحى حسن/ كلية الدراسات الاسلامية الجامعة/ قسم الدراسات القرآنية واللغوية / النجف الاشرف : ان حكم العلاقة بصورة عامة يحددها الاستاذ وطبيعة شخصيته باعتبار اننا لا نستطيع ان نقارن بين شخصيات الأساتذة وطباعهم، ولكن يجب ان تكون العلاقة بين الاستاذ والطالب بين امرين لا أفراط ولا تفريط، ويعني انها لا تكون مغلقة الحدود بحيث يحرم الطالب من ايصال صوته وابداء رايه خوفا من الأستاذ، وكذلك لا يجب ان تكون العلاقة مفتوحة الحدود لان الأستاذ سيفقد اتزان الطلاب ويفقد سيطرته على اجواء المحاضرة العلمية التي سيعلوها الضوضاء، وأود ان أضيف رأي المتواضع حول طبيعة دور الاستاذ الجامعي، حقيقة واجب الاستاذ الجامعي اكبر من كونه واجبا تدريسيا مهنيا روتينيا بل له دور كبير في ايصال الكثير من الرسائل التربوية التي تبني من شخصية طالب العلم وتؤهله لبناء مستقبل يخوض بمفرده وباعتماده على نفسه.
وأخيرا قال الطالب ميثم عبد الكريم الجبوري / الجامعة التقنية / البصرة / القسم المدني: العلاقة بين الأستاذ الجامعي وتلميذه ينبغي أن تكون مبنية على التفاهم والتعاون والتقدير والاحترام المتبادل، وذلك وفق القيم والمبادئ التي يقدسها الجميع وتتماشى وعادات وتقاليد وأخلاق المجتمع، فتحديد وإيجاد علاقة متينة بين الطرفين متوقف هنا على الطالب بالدرجة الأولى، لكونه يمتلك زمام المبادرة لإيجاد أجواء من التقدير والتوقير وحفظ مكانة الأساتذة، وذلك بعدم إساءته لأساتذته ومخالفته للأنظمة واللوائح المعمول بها، وبالمقابل ينبغي على الأستاذ أن يلجأ إلى ما يختزنه من استراتيجيات لحل المشكلات المتعلقة بهذا الموضوع، ويعمل على انتهاج وتطبيق الطرق والأساليب العلمية في التعامل مع طلابه، وأن تعتمد هذه الاستراتيجية في التعامل على خبراتهم وتجاربهم السابقة وأحكامهم الصائبة ومدى التفاعل بينهما في عملية التعلم .
وختاما يمكن القول ان نوع وحدود العلاقة بين الاستاذ الجامعي وطلبته هي من اهم الامور التي تخدم العملية التعليمية برمتها، فكلما كانت العلاقة مبنية على اسس وقواعد سليمة كلما اقتربنا من تحقيق نتائج ايجابية لهذه العلاقة، فعلاقة المعلم بالمتعلم علاقة قديمة وهي مثار بحث ودراسات عند الكثير من العلماء ولاسيما علماء التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع، فهي علاقة بكل بساطة لا يمكن اختصارها بسطور ولا يمكن اختصارها فقط بصفات واخلاقيات المعلم سواء كان هذا المعلم استاذا جامعيا ام غير ذلك، ومع ذلك تبقى هناك حدود وخطوط يجب على كلا الطرفين واقصد هنا المعلم والمتعلم عدم تجاوزها، ومن ابرز هذه الحدود هو عدم انتقال العلاقة بين الطالب والأستاذ الى خارج الحدود الزمانية والمكانية للعملية التعليمية الا اذا كان هناك ما يبررها ويخدم العملية التعليمية، فعلاقة الاستاذ الجامعي بطلبته يجب ان تكون من خلال هذه الحدود، كما يتوجب ان تتوفر بعض الامور التي تضمن بناء علاقة جيدة قائمة على الحب والتقدير بين الطالب والأستاذ الجامعي، وهذه الامور مرتبطة بالأستاذ الجامعي وهي التعامل والنظر الى جميع الطلبة نظرة واحدة متساوية دون التفريق بينهم.
نشرت في الولاية العدد 117