تلميذ النبوة وأستاذ الإنسانية

DDD

حمود حسين الصراف

كان الامام علي(عليه السلام) الأنموذج الأمثل والمدرسة المتكاملة في الفكر والمنهج، التي تتعلم منها الأجيال، وتستقي الحضارات منها نموها ورقيها وامتدادها عبر الزمن.
فهو الحكيم والقائد والمربي والمكافح والمجاهد.. بمواقفه في الحرب والسلم، في البيت والعمل.. شخصية فذة تفتخر بها الإنسانية جمعاء، فهو المناضل الحق الذي يسعى لإنشاء مجتمع سعيد يعيش الرفاهية والأمان، ويصل به إلى حيث رضا الله تبارك وتعالى، في اطار مفاهيم الحق والعدل.

 

وهب (عليه السلام) نفسه الشريفة للحق، حتى صار هو والحق مثل نسيج واحد، قال(عليه السلام): (والله إني لاعترف بالحق قبل أن أُشهد عليه).
الناس عنده سواء كما قال(عليه السلام): (وإن تكونوا عندي في الحق سواء) وقال: (الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه).

منهجه في محاربة الفقر:
عمل بالعدل في مختلف الظروف، منصفاً لا تأخذه في الله لومة لائم، وكانت كل اطروحاته متجهة لتربية الناس على العدل والانصاف، وكان(عليه السلام) يرى أن الطريق إلى سعادة الفرد والمجتمع يلزمه أن يقصم ظهر الفقر لأنه الانعكاس الاول لفقدان ظاهرة العدل والانصاف، إذ قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (كاد الفقر أن يكون كفراً)، وقال(عليه السلام): (لو تمثل لي الفقر رجلاً لقتلته)، إذ كان الامتداد الطبيعي للرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) ومكملاً لنشر مفاهيم الرسالة الاسلامية.
وفي الجملة فانه كان يرى ان إحقاق الحق يتم من خلال قلع الفقر من أصوله وجذوره، وقد وضع العلاج لهذه المشكلة وللمشاكل الناتجة عنه، فالفقر هو العدو الأول للإنسانية.
الحرية في فكره ومنهجه:
ارتكزت الحرية في منهج علي(عليه السلام) على فطرة حرة وطباع حرة.. لذا قال(عليه السلام): (لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حراً) هذه الصرخة هي صرخة الحرية إلى الشعوب والمجتمعات كلها في كل زمان ومكان، لتحرر نفسها من القيود والأغلال التي اصطنعتها الشهوات وحب الأنا، إذ لو تصفحت مفهوم الحرية لدى المجتمعات عبر الزمن لوجدته لا يمت للحرية الحقيقية بأي صلة.
لكن في منهج الإمام علي(عليه السلام) تستشعر روح الحرية الصحيحة ومعانيها الراقية، ولقد كان بنفسه رافضاً للإكراه رغم قدرته على تأدية حقه، متمسكا بالحرية بقوة ويرفض الاجبار مهما كان قدره ونوعه.
ومن صور ذلك انه رفض إكراه أحد على بيعته فقال عن الذين بايعوه: (ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين)، وقال عن طلحة والزبير: (فبايعاني على هذا الأمر، ولو أبيا لم أكرههما كما لم أكره غيرهما)، وقال(عليه السلام) مخاطباً المغيرة بن شعبة: (وقد أذنت لك أن تكون من أمرك على ما بدا لك)، وهناك شواهد كثيرة في هذا المجال.

تلميذ المدرسة النبوية:
كان ذلك المربي الفريد خريج المدرسة النبوية ووريث العلم النبوي، فهو تجسيد للعلاقة التي اتحد فيها ميثاق النبوة بالإمامة، لأنهما نسيج واحد، وهذه العلاقة هي علاقة من نوع علاقة موسى وهارون، كما قال الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله): (..أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي).
والمواقف والمشاهد التي تدل على مدى عمق العلاقة بين امير المؤمنين والرسول الكريم كثيرة، فعندما دعا الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ولم يستجب له احد حينها لبى (عليه السلام) دعوة استاذه(صلى الله عليه وآله) تلبية شاملة فقال(عليه السلام): (لا يحزنك والله إعنات فعليهم ضلالتهم، واني يا رسول الله عونك… أنا حرب لمن حاربك) وعلى الرغم من صغر سنه، إلا أن جوابه كان شافيا وقاطعاً، وبهذه الهمة حمل ثقل الأنوار النبوية.
إن هذا الموقف وامثاله نابع من رابطة هي اقوى من رابطة القرابة، فهي انعكاس لإعداد الرسول وتربيته(صلى الله عليه وآله) للإمام علي (عليه السلام) ليؤدي مهامَّ عظمى ويحمل لواء المسؤولية الكبرى.
لذا روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: فلما آخى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بين الصحابة وترك علياً وقال له في ذلك أجابه النبي (صلى الله عليه وآله): (إنما اخترتك لنفسي أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة) فبكى الإمام علي (عليه السلام) عند ذلك وقال:
أقيك بنفسي أيها المصطفى الذي       هدانا به الرحمن من عمه الجهلِ
وأفديك حوبائي وما قدر مهجتي؟        لمــــن انتمي منه إلى الفرع والأصلِ
ومن ضمني مذ كنت طفلا ويافعا        وأنعشني بالبــــــر والعلم والنــــــــهلِ
ومن جده جدي ومن عمّه عمّي           ومـــن أهله أمي ومن بنته أهــــــلي
ومن حين آخى بين من كان حاضراً     دعانـي وآخاني وبيّن من فضــــلي
لك الفضل إني ما حييت لشاكر        لإتمام ما أوليت يا خاتم الرســـــلِ

نشرت في الولاية العدد 78

مقالات ذات صله