القارئ الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي

الشعشاعي

مرتضى عبد الامير

قارئ تميز باسلوبه وطول نفسه وتنوع مقاماته، رسم اسمه على قائمة الاوائل الذين خلدوا في ساحة تلاوة القرآن الكريم، وما زالت تلاواته العذبة تطرب الاسماع بعد مرور عقود من الزمن، ذلك هو القارئ الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي.

 

ولد الشيخ عبد الفتاح بن الشيخ محمود ابراهيم الشعشاعي في قرية شعشاع في المنوفية عام 1890 م وقد سميت القرية التي ولد فيها بأسم جده شعشاع، حفظ القران على يد والده وعمره عشر سنوات اذ أتم حفظه عام1900.
سافر الى طنطا لطلب العلم في المسجد الأحمدي وتعلم التجويد، ولتفوق الشيخ وتميزه بصوت عذب فقد نصحه المشايخ بالسفر إلى القاهرة والالتحاق بالأزهر، وعندها شد الرحال إلى القاهرة ودرس هناك القراءات على يد الشيخ بيومي والشيخ علي سبيع.
وعاد الشيخ الى قريته وبين جوانحه إصرار عنيد على العودة الى القاهرة مرة أخرى ليشق طريقه في زحام العباقرة نحو القمة اذ كان في القاهرة حشد هائل من عباقرة التلاوة.

فرقة تواشيح دينية:
كوّن الشيخ الشعشاعي فرقة للتواشيح الدينية وكان في بطانته الشيخ زكريا أحمد المنشد العبقري الذي ذاع صيته فيما بعد، وسرعان ما بدأ الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي يتألق ويلمع وأصبح له عشاق كُثر، ولكن فرقة التواشيح لم تكن ترضي طموحه فغامر وألقى بنفسه في البحر الذي يتصارع فيه العمالقة للنهل من فيض كتاب الله العزيز، وذات مساء دخل ليقرأ في ليلة مولد الامام الحسين بن علي بن ابي طالب(عليهم السلام) مع أعظم وأنبغ المقرئين أمثال الشيخ محمد رفعت والشيخ أحمد ندا والشيخ علي محمود والشيخ العيساوي والشيخ محمد جاد الله. وفي تلك الليلة طار صوته الى العالم الاسلامي وأصبح له مكان فوق القمة وأصبح له معجبون وتلاميذ ومنهم الشيخ محمود علي البنا والشيخ أبو العينين الشعيشع وغيرهما كثير، وكل هذا بفضل وبركات الامام الحسين (عليه السلام).
ومنذ سنة 1930 تفرغ الشيخ لتلاوة القرآن الكريم وترك التواشيح الى غير رجعة، ومع ذلك لم ينس رفاقه في الدرب فبقي يزورهم بين الحين والاخر ويتفقد احوالهم. وبعد افتتاح الاذاعة عام 1936 بدأ نجم الشيخ يتلألأ شيئا فشيئا.
وكان للشيخ عبد الفتاح الشعشاعي طريقة خاصة في الأداء ومتميزة عن طرائق القراء الاخرين وكذلك كان يستمع الى صوت الشيخ رفعت وعلي محمود إذ يصفهم بأنهم أساتذة وعمالقة لا يتكررون وأنهم مدارس ومراجع في هذا الفن. ويعد أول من تلا القرآن الكريم بمكبرات الصوت في مكة والمسجد النبوي ووقفة عرفات من عام 1948.

يتشعشعي

رحلته الأولى الى العراق:
يقول الشيخ أبوالعينين الشعيشع: جاءتني دعوة عاجلة من السفير العراقي بالقاهرة لإحياء مأتم ملكة العراق (عالية) بناء على رغبة من القصر الملكي الذي أرسل إلى السفارة بطلب القارىء الشيخ أبي العينين الشعيشع والقارىء الشيخ مصطفى إسماعيل فوافقت وبحثت عن الشيخ مصطفى إسماعيل كثيراً فلم أجده، وكان الوقت لا يسمح بالتأخير فاتصلت بالسفير العراقي وأخبرته بصعوبة الحصول على الشيخ مصطفى إسماعيل اليوم فقال السفير اختر قارئاً من القراء الكبار معك فاخترت المرحوم الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي، وحين وصلنا الى مطار بغداد وإذا بمفاجأة لم نتوقعها.. استقبال رسمي لنا بالمطار كاستقبال المعزين من الملوك والرؤساء ولكن المفاجأة أصبحت مفاجأتين، قالوا: ((وين الشيخ مصطفى؟ وين الشيخ مصطفى؟)) فقلت لهم: إنه غير موجود بالقاهرة ولم نعرف مكانه، والوقت كان ضيقا فأحضرت معي فضيلة الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي وهو أستاذنا ومن مشاهير قراء مصر وشيخ القراء.
وفوجئت بأن وجه الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي تغير تماماً وظهرت عليه علامات الغضب لأنه كان يعتز بنفسه جداً وقال: لو كنت قلت لي ونحن بالقاهرة إنني لست مطلوبا بالاسم من القصر ما كنت وافقت قط ولكنني الآن سأعود إلى القاهرة، وأصر الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي على العودة إلى مصر، وبمساعدة المسؤولين العراقيين استطعنا أن نثني الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي عن قراره الصعب وخرجنا من المطار وسط جمهور محتشد جاء لاستقبالنا لا حصر له ونزلنا في بغداد واسترحنا بعض الوقت وتوجهنا بعد ذلك إلى القصر الملكي حيث العزاء.
ويواصل شعيشع قصته فيقول: وقرأ -يعني الشعشاعي- في المساء قراءة وكأنه في الجنة وتجلى عليه ربنا وكان موفقاً توفيقاً لا حدود له، وعاد إلى الفندق في حالة نفسية ممتازة وفي نهاية الأسبوع حصلنا على وسام الرافدين وبعض الهدايا التذكارية وودعنا المسؤولين بالبلاط الملكي العراقي كما استقبلونا رسميا وعدنا بسلامة الله إلى مصرنا الغالية – وبعد تلك الزيارة وهي الأولى للعراق- أحبه العراقيون وأصبحت له شهرة واسعة في العراق وأصبح من قراء الاذاعة العراقية الأوائل. وقد تكررت زيارات الشيخ للعراق مرات عدة منذ ذلك الوقت حتى آخر عام من حياته.

Sheikh Abdul Fattah She'shaie

وفاته:
توفي الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي في عام 1962 عن عمر يناهز الثانية والسبعين عاما قضاها في خدمة القران الكريم وكانت حياته حافلة بالعطاء وخلف وراءه تراثا قيما سيظل خالدا ردحا طويلا.

نشرت في مجلة الولاية العدد 72

مقالات ذات صله