آثار التوحيد في شخصية الفرد والمجتمع

عقائد

الشيخ ستار المرشدي

اشرنا في مقالة سابقة إلى البعد المميز للتوحيد في شخصية الفرد وان وسام العبودية لله تعالى وسام شرف وعزة لا وسام استبداد وقهر، وتوقفنا عند بعض المصاديق والأمثلة لآثار التوحيد في شخصية الفرد والمجتمع.
ولما لهذا الموضوع من أهمية في تعزيز هوية الفرد وتقوية الأواصر الاجتماعية وآثار في انشراح الصدر، نقف عند فضل تلك المصاديق والأمثلة.

 

التوحيد والأمن الاجتماعي
في هذه الأيام العصيبة يمر الإسلام بمنعطف خطير، بدأ المسلمون فيه يقتتلون بينهم بطريقة قد لا يجد العاقل لها سببا عند العقلاء أو عند أهل الشرائع، والغريب في الأمر ان دعاة الاقتتال من أهل التوحيد وأصحاب السطوة والقهر يدعون لتوحيد جديد، فأين الخلل؟ وهل يمكن للتوحيد ان ينتج آثاراً سلبية تفقد المجتمع تماسكه وتجعل الفرد يضطرب فيفتقد موازين العقلاء.
للإمام الصادق(عليه السلام) قول يسلط النظر فيه على بعد قد يخفى عن كثيرين، وهو أنه إذا لم يحدث توازن في الرؤية التوحيدية فالمجتمع الإسلامي سيكون كالقنبلة المهيأة للانفجار، وإذا انفجر سيقتل نفسه قال(عليه السلام): (إن بني أمية أطلقوا للناس تعليم الإيمان ولم يطلقوا تعليم الشرك لكي إذا حملوهم عليه لم يعرفوه) (الكافي للشيخ الكليني 2 : 415).
لذا فالأمن الاجتماعي قد يضطرب وقد يتسق، ولابد من إيجاد موازين من خلالها يطمئن الفرد والمجتمع ويصل إلى سلام الإسلام.
فما يخطه البعض بأيدٍ ملوثة بدماء الأبرياء من المسلمين، أو فتاوى تطلق بألسنة من رؤوس حشوها الحقد والحنق، قطعا سيكون ذلك لونا من الوان الشرك، وقد روي عن أبي العباس انه قال: سألت أبا عبد الله(عليه السلام) عن أدنى ما يكون به الإنسان مشركا؟ فقال: (من ابتدع رأيا فأحب عليه أو أبغض عليه). (الكافي للشيخ الكليني 2 : 397).
ولنا أن نقول: ان من لم يلتزم بقول الله عز وجل لرسوله الكريم: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)(المائدة/67)
فهو خارج عن المنظومة التوحيدية وهو يقف خلاف الأمن الاجتماعي الأخروي والدنيوي، وان صلى وصام وزكّى.
وقد روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) انه قال: (لو أن قوما عبدوا الله وحده لا شريك له وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجّوا البيت وصاموا شهر رمضان ثم قالوا لشيء صنعه الله أو صنعه النبي(صلى الله عليه وآله): ألا صنع خلاف الذي صنع؟ أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين) ثم تلا قوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) ثم قال أبو عبد الله(عليه السلام): (فعليكم بالتسليم) .
فمن سلّم بقوانين المنظومة التوحيدية من مصدرها الواحد وممن اجتباهم واصطفاهم الواحد الأحد عز وجل يضمن الأمن الاجتماعي بل يضمن اطمئنان نفسه بمراتبه العالية.

أمثلة ومصاديق آثار التوحيد
أولا: الوحدة والإخاء والمساواة، وقد قال سبحانه وتعالى في ذلك: (تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ)(آل عمران/64).
ثانياً: الثقة بالنفس، قال تعالى: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(يونس/107).
ثالثاً: مصدر الأمان النفسي قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (الأنعام/82)).
رابعاً: التحفيز للعمل الصالح قال تعالى: (أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف/110)
خامساً: حب الله عز وجل قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ)(البقرة/165).
سادساً: الشرك معطل لإيجابية الإنسان قال تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ) (يونس/18).
سابعاً: الشرك مصدر الخوف قال تعالى: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا)(آل عمران/151).
ثامناً: الشرك ضلال للإنسانية قال تعالى: (لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)(فصلت/37).

 

نشرت في مجلة الولاية العدد 73

مقالات ذات صله