القرآن وعلم الإنسان القرآني

holy_quran_by_hanxopx-d42fukt

الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

لا بد أن نقف على أمر مهم، وحقيقة مهمة جداً ألا وهي أن علم الإنسان القرآني هو العلم الذي يتخذ من القرآن مرجعاً ومنطلقا مؤسساً لكل ما يتعلق ببني الإنسان.
كل ذلك من أجل صياغة تصور جديد وحقيقي نابع من الواقع ومبعد لهيمنة النظريات المادية على هذا العلم بما يرجعه الى حضيرته الأولى والحقيقية وبما يحفظ للإنسان خصوصيته وكرامته وموقعه الحقيقي.
وما التعدد الشكلي واللوني واللساني والثقافي والمعيشي الا عنصر تنوع واثراء وقوة للحضارة البشرية، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) الروم/22.

 

يرى بعضهم أن مسألة تعدد الألوان واللغات وغيرها يرجع إلى تعدد الدماء بناء على نظرية (النشوء والارتقاء) وقضية التطور في الأنواع، القائلة بانتهاء النسل في كل لون إلى غير ما ينتهي إليه نسل اللون الآخر، وبذلك يصبح لكل نوع أبٌ رئيسٌ، أو (آدم) خاصٌّ به.
أما القرآن الكريم فظاهر آياته يشير الى ان هذا النسل الحاضر من الإنسان ـ في كل مكان ـ ينتهي الى ذكر وأب واحد سماه الله تعالى في كتابه (آدم)، وإلى أنثى وأم واحدة لم يسمها تعالى في كتابه، ولكن الروايات تسميها (حواء).

كتاب الانسانية الخالد:
ان السبب الأساس والرئيس في جعل القرآن مرجعا لتأصيل علم الإنسان (الانثروبولوجيا) هو أنه كتاب الإنسانية المخلد، والمرجعية الربانية في العقيدة والشريعة والسلوك، وأنّ الدين الإسلامي هو دين الفطرة الإنسانية، قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) الروم/30.
وان دراسة الإنسان من منطلق قرآني تمثل النظرة الحقيقية والموضوعية للمراد الإلهي، والنظرة الإلهية لبني البشر، نظرة الخالق، نظرة العارف والعالم بالجنس البشري المستوعبة لدقائق الأمور، لأساسات الخلقة، النظرة الشاملة والواضحة والمتوازنة المندرجة ضمن نظام دقيق لتسيير المخلوقات ليس فيه أي خلل أو قصور، ولا يعتريه التعصب أو التعب أبداً، قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ)يس/36.

الهدف من تلاقح الثقافات:
إن مسألة التواصل والتلاقح الثقافي منهج هدفه إزالة السلبيات، والرجوع إلى قاعدة الأصل الواحد التي نادى بها الإسلام عن طريق كتابه الذي يعد الدستور الإنساني، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ الله الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء/1.
فقضية تلاقح الثقافات والحضارات ونفي السلبيات وإزالة الفوارق ودعم الإيجابيات وتنمية عمل الخير ونشر المحبة والألفة والسلام تؤكد أن ما يجمع البشر أكثر مما يفرقهم، وما تنوع الأجناس والألوان واللغات إلا آية من آيات الله تعالى، وما وضعها الله تعالى الا لحكمة بالغة هدفها الوصول الى التكامل الجمعي الإنساني الوحدوي، وهذا هو مصداق قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) الروم/22.
وهذا إثبات للإنسان بأن كل ما علمه وسيعلمه لا يمثل شيئاً بالنسبة إلى العلم الإلهي، وإلى الحكمة الإلهية، قال تعالى: (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) الإسراء/85، وأن المخلوقات كلها – ومنها الإنسان- ما هي إلا خلق الله سبحانه وتعالى، فعلى الإنسان ألا يتعالى أو يتبطر أو يتكبر أو يصنع الفوارق، وقد قال سبحانه: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) الأنعام/38.

المعتقدات لها اصل واحد:
ومعتقدات الإنسان لها أصل واحد، فالدين واحد وما جرى من تفرق فيه فهو طارئ دخيل، فالفطرة الأولى والدين الأول هو التوحيد وإن تبدلت تسمياته، على ان هنالك أبحاثاً تؤكد أن الدين منذ بزوغ فجر البشرية إنما هو الإسلام، وقد قال تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) الشورى/13.
والإنسان الأول إنسان كامل بخلاف كل النظريات اللادينية التي ترجع الإنسان الى القرد أو الى السمك أو الى الحشرات وما شاكلها، قال تعالى: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) الطارق/5 ـ7. وقال: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ) السجدة/7 ـ 9.

مزاعم باطلة:
وقضية تطور وارتقاء الإنسان من المشي على أربع إلى المشي على اثنين وأن أصل الإنسان قرد ما هي إلا مزاعم باطلة، مخالفة للشرع والعقل، فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلق المخلوقات كما هي عليه أشكالها اليوم، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) آل عمران/6 .
فالمخلوقات لها خصوصياتها التي اختصها الله تعالى بها لحكمة بالغة من عنده، وهي مخلوقة منذ بدء الخلق إلى اليوم بنفس أشكالها فلا تغيير ولا تبديل ولا غير ذلك، قال عز من قائل: (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) النور/45.

 

نشرت في مجلة الولاية العدد 73

مقالات ذات صله