الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
ان للتربية في حياة الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) أهمية كبرى لا لأنه أعلم بها فقط، بل لأنه طبقها وأعطاها مكانتها الطبيعية في حياة الأمّة الإسلامية، بل انه وسمها بالسمة الإسلامية الحقيقية التي أرادها الله سبحانه وتعالى، لقد كانت النظرة الموضوعية في التربية عند الإمام علي (عليه السلام) مميزة وجادة اتسمت بالعمق والشمولية والتطبيق العلمي.
يقول الكاتب المسيحي نصري سلهب: (.. أشهد ان من كان تلميذ القرآن وربيب الرسول كعلي ابن ابي طالب ليس لقوم دون قوم آخرين، بل هو للدنيا بأسرها، لا زمان يحتويه ولا مكان) (في خطى علي، نصري سلهب: 341)، نعم: (.. لأن موقع الإمام علي من الرسالة الإسلامية العالمية هو بمثابة القطب من الرحى) (علي نبراس ومتراس، سليمان كتاني: 329).
كثيرون هم الذين تأثروا بشخصية امير المؤمنين(عليه السلام)، وكثيرون هم الذين احبوه وكتبوا عنه، فنجد الفيلسوف والكاتب الانكليزي (توماس كارليل) يقول: (أما علي فلا يسعنا الا ان نحبه ونعشقه، فإنه فتى شريف القدر، عالي النفس، يفيض وجدانه رحمة وبرا، ويتلظى فؤاده نجدة وحماسة، وكان أشجع من ليث، ولكنها شجاعة ممزوجة برقة، ولطف، ورأفة، وحنان) (محمد المثل الأعلى، توماس كارليل: 34).
لقد كان للأساليب التربوية التي اتبعها أمير المؤمنين (عليه السلام) الأثر الكبير في بناء الفرد والأمة الإسلامية، الغاية والهدف من كل ذلك هو التحلي بالآداب الإسلامية، ومن أهم الطرق في بناء الشخصية الإسلامية على يد الإمام علي (عليه السلام) الأمور الآتية:
أولا: السيرة العلمية
فسيرته الذاتية وحياته افضل مثال يُحتذى به في جميع المجالات، فهو المربّي الفاضل في كل شيء.
لقد عُرف(عليه السلام) بزهده وورعه، فعن الإمام جعفر الصادق عن ابيه (عليهما السلام) انه قال: (ان أمير المؤمنين علي بن ابي طالب أُتي بخبيص (الخبيص: طعام معمول من التمر والزبيب والسمن) فأبى ان يأكله فقالوا: أتُحرِّمه؟ قال: لا ولكني أخشى أن تتوق اليه نفسي فأطلبه)(أمالي المفيد: 134).
ولقد كان(عليه السلام) عندما يسمع شيئا يأخذ بأحسنه، بل إنه (عليه السلام) كان شديد الأخذ قوي الالتزام، وهو القائل: (ما تركت صلاة الليل منذ سمعت قول النبي(صلى الله عليه وآله): صلاة الليل نور) فقال ابن الكوا: ولا ليلة الهرير؟ فقال(عليه السلام): (ولا ليلة الهرير)(مناقب ابن ابي طالب: 2/142).
ان عمل الإمام (عليه السلام) في هذه المناسبات وغيرها يترك اثرا ايجابيا في دفع الناس نحو الالتزام بالمناسبات والتعاليم، وهو ما يؤدي الى بناء الأمة بناء صحيحا، وهو القائل: (من نصب نفسه للناس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم) (تصنيف نهج البلاغة: 749).
ثانيا: أحاديثه وكلماته
لقد ترك أمير المؤمنين(عليه السلام) من الأحاديث ما لو طبقناه لكنا أسياد الدنيا، فقد تميز(عليه السلام) بفصاحته وبلاغته وحكمته، ولم يكن ديدنه تزيين الكلام، بل كان لأجل ابداء حسن اللفظ بما يوافق كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، تاركا لنا مجموعة كبيرة من الآثار التي جمعت فيما بعد ونجدها جلية واضحة في: كتاب نهج البلاغة الذي جمعه الشريف الرضي (رحمه الله)، وكتاب غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي، وكتاب دستور معالم الحكم ومأثور مكارم الشيم للقاضي أبي عبد الله محمد بن سلام القطاعي، وكتاب حكم وقضايا أمير المؤمنين، فضلا عن كتب ومؤلفات أخرى تناولت تراث أمير المؤمنين(عليه السلام) الفكري والمعرفي والانساني.
ثالثا: كتبه ووصاياه
ترك الإمام(عليه السلام) تراثا بلاغيا وتربويا جما، وبالخصوص في الوصايا التي كان يوصي بها أهل بيته(عليهم السلام) وأصحابه في كل صغيرة وكبيرة من أجل تربيتهم وتعليمهم.
فمثلا نجد أن مجموع الكتب التي أرسلها أمير المؤمنين (عليه السلام) الى ولاة الأمصار، وعماله على الصدقات والخراج(30) كتابا، ومجموع الوصايا لأهل بيته وللأمراء والعمال كان (11) وصية، أما مجموع ما أرسله الى امراء الجيوش من كتب فهو(5) كتب، بالإضافة الى عهدين، أما مجموع الكتب التي ارسلها الى أهل الأمصار فكان (8) كتب، أما الكتب التي بعث بها لأعدائه فكانت (20) كتابا، منها (16) كتابا الى معاوية.
وهو(عليه السلام) يشرح في كل كتاب ووصية مختلف القضايا ويضع مختلف النصائح والإرشادات ويجيب عن الأسئلة بما يكفل تحقيق الفائدة.
رابعا: خطبه
إن للخطب والمواعظ التي القاها الإمام(عليه السلام) أيام خلافته إنما هي كما عبر عنها بقوله: (دواء دائكم، ونظم ما بينكم) (نهج البلاغة، الخطبة: 158)، وقد كان أمير المؤمنين(عليه السلام) يراقب المناسبات المهمة، ومنها المناسبات التي تبعث على التقرب من الله كـ(شهر رمضان وشوال وصلوات الجمعة والجماعة وأيام الحرب) ليلقي على الناس ما يحقق الفائدة والصلاح لهم.
نشرت في الولاية العدد 76