عبد الرحمن الشريفي
جاء في كتاب الإمام عليّ(عليه السلام) لعبد الله ابن عبّاس عند استخلافه ايّاه على البصرة: (سَع الناس بوجهك ومجلسك وحكمك، وإيّاك والغضب فإنّه طيرة من الشّيطان، واعلم أن ما قرّبك من الله يباعدك من النّار).
اوصى الإمام عليّ(عليه السلام) عبد الله بن عبّاس قائلاً له: (سع الناس بوجهك ومجلسك وحكمك) أي كن بشرا مبتسما، وكذلك في مجلسك، أي ان تكون متواضعا وقريبا منهم كأنك احدهم، وان يسع الناس حكمك أي باقامة الحكم العادل لأن الحكم العادل يسع الجميع وانّ الحكم الجائر لا يحتمله أحد.
ثم يقول الإمام محذرا: (وإياك والغضب فإنه طيرة من الشيطان) أي انّ الغضب يخرجك من الثبات والحلم ويكرّهك للناس (فإنه طيرة من الشيطان) أي خفّة تلحق الإنسان يتسلل من خلالها الشيطان فيسلب عقله وقوته وإرادته حتى يكون له تبعا ولأوامره.
ثم إنّ الإمام يضع واليه على مفترق طريقين أحدهما يقربه من الله اذا التزم بمكارم الأخلاق وفضائل الحكم العادل، والثاني يبعده عن الله ويقرّبه الى النّار إذا اتخذ من هوى نفسه منهاجاً لحكمه بارتكاب المنكرات فيقول(عليه السلام): (واعلم ان ما قربك من الله يُباعدك من النار وما باعدك من الله يُقربك من النار).
ومن كلام للإمام(عليه السلام) أوصى به شريح ابن هاني لما جعله على مقدمة جيشه الزاحف الى الشام: (اتق الله في كل صباح ومساء وخف على نفسك الدنيا الغرور ولاتأمنها على حال واعلم انك ان لم تردع نفسك عن كثير مما تحب مخافة مكروه سمت بك الاهواء الى كثير من الضرر فكن لنفسك مانعاً رادعاً ولنزوتك عند الحفيظة واقماً قامعا).
إذ يبدأ الإمام(عليه السلام) كلامه بقوله (اتق الله) أي ان تراقب الله في قلبك، وأن تنشغل بالإحاطة الإلهية واستشعار قولها بضميرك وسرائرك، ثم يقول: (في كل صباح ومساء) أي ان تقوى الله بمعانيها لا بد ان تكون دائمة على مدار اليوم.
ثم يأمر(عليه السلام) بالانطلاق من النفس في تقويمها بقوله: (وخف على نفسك الدنيا الغرور) أي توقّع المكروه أن يقع على نفسك بانخداعها بالمال والجاه اللذين ينصب فيهما الشيطان حبائله ويحوك شباكه ليوقع فيهما نفسك صيدا خاضعاً لأوامره.
ويقول: (ولا تأمنها على حال) أي ان الدنيا لا قرار لها على حال فاحذرها فإنها تستدرجك الى متاهاتها، ثم يقول: (واعلم انك ان لم تردع نفسك عن كثير مما تحب مخافة مكروه سمت بك الأهواء الى كثير من الضرر).
وبهذا يوجه الإمام كلامه الى شريح بن هاني مخبرا اياه انه إن لم يمنع نفسه عن أهوائها مخافة مكروهات العواقب فانها (أي نفسه) سوف تعلو بأهوائها الى ميولها فيرتد ضررها عليه في النهاية حتى يورده موارد الخسران.
ثم يعقب الإمام بقوله: (فكن لنفسك مانعا رادعا ولنزوتك عند الحفيظة واقما قامعاً)، أي لتكن انت الكاف لنفسك عن الهوى بمنعها وقهرها عند (نزواتها) أي عند تقلباتها التي لا تستقر على حال، فالنزوة هوى مفاجئ شديد لشيء ما سرعان ما يزول، ومن ذلك الغضب والحمية فيقول(عليه السلام): (ولنزوتك عند الحفيظة واقما قامعاً) والحفيظة هي نزوة الغضب كما في قولنا (أثار حفيظته)، ولإيقاف تلك النزوات وكسر شوكتها داخل النفس يأمر الإمام ان نتدرج حتى اقتلاعها.
ففي البداية ليكن ردك لها بشدة من القهر لها لقوله: (واقما)-أي: قاهراً- ثم تضاعف الرد والقهر حتى تكسر شوكة نزوتك هازما اياها بإضعاف قوتها لقوله (قامعا).
نشرت في الولاية العدد 77