المرأة في المنهج القرآني

132845449

د. رفاه عبد الحسين الفتلاوي

تحتل المرأة المكانة المحببة في حياة الرجل، فهي النصف المكمل له, بها يبني سعادته ومعها ينشئ مجتمعه الصغير, وبالتعاون معها يذلل مصاعب الحياة(واليها يلجأ عند الشدائد) يستعين بها على قهر المصاعب, وهي فوق هذا وذاك شريكة له في حربه وسلمه وفي بؤسه ورخائه.
والمرأة من هذا المنطلق، وباعتبارها إنساناً يحمل أمانة السماء، لابدّ أن تكون موضع اهتمام القرآن الكريم، باعتباره الدستور الحي الذي قدم للإنسان (رجلا وامرأة) نظاماً شاملاً يتكفل حياتهم في جميع مجالاتها بالتشريع والتنظيم، حيث بعث في السابق وفي عالمنا الجديد نوراً قوي الوهج، أضاء طريق البشرية في سيرها الحثيث المتقدم نحو حياة أفضل وعيشة كريمة.

 

لقد ذكر القرآن الكريم المرأة في مواضع كثيرة منه، وخاطبها أكرم خطاب، وأعزها أعظم إعزاز، وقد قال أحد الباحثين في هذا المجال «إنّ توجيه الخطاب للمرأة في النصوص القرآنية حظي بأسلوب إلهي خاص جدير بالدراسة استنادا إلى ظواهر النصوص وبواطنها، ذلك أن آليات المعنى تشير خلافاً إلى ما يزعمه مبغضو الإسلام… إنّ المرأة في الخطاب القرآني الموجه لها حظيت بالإكرام الذي ما بعد إكرام «.
وقد حاولت في هذه المقالة أن أدرس طبيعة الوصف القرآني للمرأة في القرآن الكريم وخصصت من ذلك سورة القصص من بين سوره المباركة، ومما وجدته الآتي:

المرأة الأم:
إنّ مدى ما تملكه الأُم من عاطفة تجاه أطفالها هو السبب الذي يساعدها على تحمل مصاعب التربية في البيت، ولذلك جعل الله تعالى كرامة خاصة للأُم دون الأب حيث ورد في الحديث النبوي: «الجنة تحت أقدام الأُمَّهات».
وقد وجدتُ ملامح الأم في مواضع عدة من سورة القصص، وذلك في قوله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إلى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)(الْقَصَصِ: الآية 7) والآيات الأخرى هي: (10 و11 و 13 ) ففي هذه المواضع نجد أن أم موسى(عليه السلام) في ذروة مشاعر الأمومة من إرضاعه الأول إلى إلقائه في التابوت في البحر وتوكلها على الله وعدم الخوف، إلى فراغ فؤادها حتى كادت أن تخبر به لولا أن ربط الله على قلبها، ومن ثم رجوعه إليها بسلام لترضعه في بيت فرعون، فهذه صورة الأم المؤمنة المثالية التي تجسدت في آيات سورة القصص.

المرأة الأخت:
اعتنى القرآن الكريم بالأخت من بين أفراد الأسرة، وبيّن مدى ما تملكه هذه المرأة من عاطفة تجاه أخيها، ونلاحظ ذلك في سورة القصص في قوله تعالى: (وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(الْقَصَصِ: الآية 11) وقوله: (قَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) (الْقَصَصِ: الآية 12). ففي هاتين الآيتين وجدنا تقصي أخت موسى لوضع اخيها وخطابها لحاشية فرعون لتعيد أخاها إلى أمها بأمر الله تعالى، كما بينت عاطفة الأخت وحرصها وحبها لأخيها ومشاركتها في مسيرة أخيها موسى(عليه السلام) ومتابعتها له.
المرأة المؤمنة:
صوّرها القرآن الكريم بأنها تتلطف في الخطاب لتحافظ على موسى(عليه السلام) من بطش الإنسان الكافر، تلك هي آسية بنت مزاحم زوج فرعون الطاغية، وقد ذكرت في سورة القصص حيث قال تعالى: (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدا) (الْقَصَصِ: الآية 9) .
المرأة المستضعفة :
وهي شخصية تصورها سورة القصص في حكايتها عن ابنتي النبي الكريم شعيب(عليه السلام) في قوله تعالى: (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ( (الْقَصَصِ : الآية 23).

المرأة المخطوبة :
ونجدها في صيغة خطبة الأب شعيب(عليه السلام) لإحدى ابنتيه لمن رآه كفؤاً لها كما في قوله تعالى: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ( (الْقَصَصِ : الآية 27) علما ان هذه الخطبة جاءت بعد مشورة من احدى ابنتي شعيب اذ قالت: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (القصص/26)

المرأة الزوجة:
من بدائع الوصف القرآني للمرأة ما وجدته في سورة القصص من إضافة المرأة المتزوجة إلى زوجها اكراماً لها بضمير الغائب إذ قال تعالى: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ)(لقصص/29) والمعنى القرآني الكامن في وصف المرأة المتزوجة، وإضافتها إلى موسى(عليه السلام) تقرّ بأن المرأة تبع لزوجها، وذلك من حكمة الله تعالى في خلقه.
فكل ما سبق من آيات قرآنية تؤكد وتدلل على علو مكانة المرأة في التشريع الإسلامي، وأنه لا يوجد تشريع سماوي ولا أرضي سابق ولا لاحق كرم المرأة وأنصفها وحماها وحرسها مثل هذا التشريع.
هذه هي الصورة الحقيقية للمرأة ومكانتها في الإسلام، وهي النظرة السليمة البعيدة عن التشوهات الفكرية والتقاليد العمياء المتعصبة والممارسات القاهرة الظالمة المستبدة التي دفعت بالمرأة إلى أحضان الاضطرابات النفسية والجسدية والاجتماعية ودفعت بعضهن إلى التمرد والعصيان لنيل بعض حقوقها عنوة.

 

نشر في الولاية العدد 78

مقالات ذات صله