مسجد الخضرة

_DSC0035

د. صلاح الفرطوسي

مسجد الخضرة من مساجد الروضة القديمة التي لا يعرف تاريخ انشائها، يقع في بداية الجزء الشمالي من سور الصحن الشريف الشرقي الى ما يقرب من باب مسلم بن عقيل(عليه السلام)، وله مدخل منه وآخر يطل على الصحن الشرف من الإيوان الثاني من الجهة الشرقية أيضا.
قالت عنه الدكتورة سعاد ماهر في كتابها (مشهد الامام علي/152): (يتكون المسجد من مستطيل يبلغ طوله ضعف عرضه، يتوسطه صحن كبير تحيط به الأروقة من جهاته الثلاث، أما رواق القبلة فيتكون من إيوانين، ويخرج عن سمت الجدار الشرقي للمسجد بمقدار مترين ونصف، ويفصل رواق القبلة عن صحن المسجد ثلاثة اقباء متقاطعة كسيت بمقرنصات من القاشاني غاية في الدقة والإبداع، وعلى احدى بلاطات القاشاني دُوّن تاريخ تجديد المسجد).

 

وظن محمد الكوفي في كتابه (نزهة الغري 2/199) ان علي بن المظفر النجار بناه بسبب نذر نذره بعد ان استرد حصته في ضيعة اغتصبت منه، اعتمادا على رواية وردت في كتاب (فرحة الغري 2/149) جاء فيها: (ان ردت هذه الحصة عليَّ عملت هذا المجلس من مالي) وقد وردت كلمة المجلس في طبعة (الفرحة 179) بتحقيق السيد تحسين الموسوي ايضا، والمجلس لا يعني المسجد، ولكن قد تكون كلمة (المجلس) تحرفت في الأصل او بسبب النسخ، لأن قوله (هذا المجلس) يبدو لا معنى له في سياق الرواية.
ولكن ما يزيد على تحفظنا بشأنها عدم ورود اشارة الى مكان بعينه، كما ان القسم الشمالي منه يشوبه تشويه وابهام، اذ ورد فيه: (فرأى أمير المؤمنين عليه السلام وهو قائم زاوية ـ كذا ـ القبة، وقد قبض على يده، وطلع حتى وقف على باب الوداع البراني، واشار الى المجلس وقال: يا علي (يوفون بالنذر) فقلت حبا وكرامة يا أمير المؤمنين، ودخل واشتغل ـ كذا ـ في عمله).
الخضراء أخت عمران بن شاهين:
وقال حسين الشاكري في كتابه الكشكول المبوّب كما نقل عنه السيد عبد المطلب الخرسان في الصحيفة 29 من كتابه (مساجد ومعالم): (إن هذا المسجد بنته الخضراء اخت عمران بن شاهين) ولكن السيد عبد المطلب استبعد ذلك القول لأن الشاكري لم يذكر مصدرا لمعلومته تلك، ولأن تسمية الخضراء جديدة تعارف عليها الناس في هذا القرن بعد ان كان اسمه الخضرة.
ويبدو أن ما ذهب اليه الشاكري جدير بالنظر اذا استطعنا الوقوف على ترجمة الخضراء اخت عمران هذه، أو على مصدر يؤيد ما ذهب إليه، لأني ارى ان الأصل في التسمية «الخضراء» وقد اعتادت العامة على قلب همزة الأسماء الممدودة هاء للتسهيل.
ورجّح جعفر محبوبة أن يكون الاسم قد اخذ من اسم «الحضرة» فعرف بمسجد الحضرة ثم صُحِّف، أو انه كانت به خضرة فسمي بها، وهو اجتهاد لم نقف على ما يؤيده.
خضرة صنعها درويش هندي:
وذكر الشيخ محمد حرز الدين في هامش الصحيفة(1/165 من معارفه) أثناء ترجمة الشيخ جعفر الشوشتري المتوفى سنة 1303هـ/1885م أن سبب تسمية مسجد الخضرة بهذا الاسم يعود الى ان (الخضرة صنعها درويش هندي في الساحة المتصلة بالمسجد فيما يقارب عصر الملالي واشتهر بمسجد الخضرة من ذلك التاريخ)، وعلق السيد عبد المطلب الخرسان في الصحيفة (27) من كتابه: (واستناداً لذلك فإن المسجد كان موجودا في القرن العاشر، لأن الملا عبد الله صاحب حاشية المنطق المعروفة باسمه جد أسرة الملالي، كان خازنا للحرم العلوي من قبل الشاه عباس الصفوي الأول الذي تولى الحكم عام 996هـ/1588م وتوفي عام 1037هـ/1628م) ولم افهم المراد بالخضرة هنا، ولعلها قطعة من القاشاني الأخضر اللون صنعها ذلك الدوريش خصيصا للمسجد، او ستارة خضراء نسجها وطرزها ثم علقها في الساحة المتصلة بالمسجد، أو ما شاكل ذلك، وبسبب جمالها لفتت النظر وسمي الجامع دلالة عليها وعليه.
ولا يستبعد ايضا ان تكون التسمية جاءت من مجاورة المسجد لساحة كان يصنع فيها البلاط القاشاني في العهد العثماني كما ذكر الشيخ محمد حسين حرز الدين في كتابه (تاريخ النجف الاشرف1/382) وذكر انه ادرك مواضع طبع الفخار والحجر القاشاني فيها.
ترميم مسجد الخضرة:
كان الدخول الى هذا المسجد من الصحن الشريف كما ذكر الشيخ محمد في هامشه السابق، وذكر ايضا ان المسجد جدد سنة 1352هـ/1934م على نفقه الأوقاف، ثم هدمت الحكومة سنة 1368هـ/1948م ثلثا منه عند فتح الشارع المحيط بالصحن، وبعد ترميمه فتحت له باباً على الشارع.
وفي سنة 1384هـ/1964م هدم مسجد الخضرة وتوابعه وشيد تشييدا جديدا بأمر المرجع الديني الكبير السيد الخوئي(طيب الله ثراه) الذي كان يلقي دروسه فيه، وكانت عمارته الجديدة اول عمارة تشهدها النجف لأحد مساجدها بهذه الفخامة، وبلغ ما انفق عليها 25000 دينار، وفتح له باب مناسب في الجهة الشرقية من السور.
وذكر السيد عبد المطلب الخرسان في كتابه السابق الذكر ان السيد الخوئي بعد تدهور صحته اقام مكانه صهره آية الله السيد نصر الله المستنبط، وبعد رحيله اقام مكانه سماحة اية الله العظمى السيد علي السيستاني للتدريس وإمامة الجماعة، واستمر على ذلك سنوات، ثم قامت ادارة الأوقاف بغلقه بحجة ترميمه، ولم يفتح الا في يوم الاثنين الموافق 29/5/2006م بأمر السيد السيستاني دام ظله، وقد دفن السيد الخوئي(طيّب الله ثراه) بعد رحيله في ايوان مشرف على الصحن الشريف محاذ للمسجد.

 

نشرت في الولاية العدد 78

مقالات ذات صله