أسامة الياسري
تعد مراسيم فتح شبّاك الضريح المقدّس من المراسيم المهمّة التي تؤدّيها الأمانة العامّة للعتبة العلويّة المقدّسة بحضور شخصيات دينية وفكرية وسياسية ووجهاء النجف الأشرف لاستخراج الهدايا التي قدمها الزائرون للضريح الطاهر.
وقد وضعت الأمانة العامة للعتبة المقدسة آلية عمل لإحصاء وإيداع واستثمار هذه الهدايا في تطوير البنى التحتية والمشاريع الخدمية التي تقام في المرقد المطهر لتقديم أفضل الخدمات للزائرين الوافدين من أنحاء العالم كافة.
«الولاية» كان لها جولة في هذا الحدث المهمّ لعرض تفاصيله على قرّائها الأعزّاء فكان هذا التحقيق.
تفتتح العتبة العلوية المقدسة شباك الضريح العلوي الطاهر دوريا لاستخراج الهدايا العينية والأموال التي تلقى فيه من الزائرين الكرام، وهي فرصة مهمة من اجل إجراء عملية التنظيف والتعطير للضريح الطاهر، بالإضافة إلى تشرف عدد من الشخصيات بزيارة المرقد الطاهر من قرب لاسيما الوجهاء وشيوخ العشائر وعلماء الدين والفضلاء والنخب المثقفة والأساتذة الأكاديميين والتربويين والحقوقيين وغيرهم. وهناك آلية لهذا العمل تتمثل بتشكيل لجنة مؤقتة من الأمين العام للعتبة العلوية المقدسة الشيخ ضياء زين الدين وعدد من أعضاء مجلس الإدارة، لكي تؤدي مهامها في أثناء عملية استخراج الأموال العينية والنقدية والعملات الأجنبية والمُخشَّلات الذهبية والفضية على اختلاف أنواعها فضلا عن الكثير من النذور والهدايا المقدمة للضريح المقدس.
مراسيم فتح الضريح المقدّس:
وعن تفاصيل العمل الذي يتم من خلاله استخراج الأموال والهدايا وغيرها من الشباك المقدس، قال السيد محمد علي الحكيم عضو مجلس إدارة العتبة: إن مراسيم فتح الشباك المقدس لضريح أمير المؤمنين(عليه السلام) تتم شهريا غالبا وفي وقت محدد، ويؤخذ بنظر الاعتبار الاستعداد له في جانبين مهمين، الجانب الإداري الذي يتضمن استعداد أعضاء مجلس الإدارة ومختلف منتسبي العتبة العلوية المقدسة من ذوي الاختصاص لهذه المراسيم، والجانب الفني الذي يوجب ملاحظة الأيام التي يقل فيها عدد الزائرين لإجراء هذه المراسيم، ونختار غالبا وقت الساعة الواحدة أو الثانية من بعد الظهر بعد انتهاء الصلاة وخروج الزائرين من الحرم الشريف، ونحرص على ان لا نخلي جميع الحرم إلا في الحالات الضرورية جدا، أما رواق الرجال فيبقى مفتوحا لإتاحة المجال للزوار لأداء مراسيم الزيارة فيه.
وأضاف الحكيم: تبدأ عملية فتح شباك الضريح بأن يجتمع المدعوون بكامل الهيأة الإدارية للعتبة المقدسة وبوجود منتسبي أقسام الأمنية والخدمات ومجموعة العد والفرز في العتبة المشكلة لهذا الشأن، وتبدأ بحضور الأمين العام للعتبة إذ تبدأ المراسيم بزيارة أمين الله، وبعدها يتم الدخول إلى الحرم الشريف لأمير المؤمنين(عليه السلام) ويقوم أحد الخطباء المدعوين بقراءة مدائح تناسب ذلك اليوم لأحد المعصومين من الأئمة الأطهار(عليهم السلام)، بعد ذلك يقوم سماحة الأمين العام بفتح باب الشباك الشريف وتبدأ عملية نقل الأموال من خلال المجموعة المخصصة لتلك المراسيم.
عملية الفرز والعدّ والتصنيف:
بعد استخراج الاموال من الضريح العلوي الشريف، تقوم لجنة العد والفرز بجمع الأموال داخل أكياس وإرسالها الى الخزينة الحصينة في العتبة المقدسة، حيث تنقلها اللجان المشكلة بموجب الأوامر الإدارية التي صادق عليها الأمين العام للعتبة وأعضاء اللجنة المشكلة لهذا الغرض.
وفي هذا الصدد تحدث الأستاذ عبد السلام كاظم أبو صيبع عضو مجلس الإدارة والمشرف المالي والرقابي في العتبة العلوية قائلا: لكوني المشرف المالي والرقابي في العتبة العلوية المقدسة، فقد قمت بتشكيل شعبة مختصة عدد افرادها عشرة أشخاص من الأمناء الواعين ليقوموا بعملية عد وفرز وتصنيف النقود، ويتم ذلك طبعا بفتح محاضر خاصة لهذه العملية، وهي عملية تستغرق أياما عدة وبحسب عدد الاكياس التي تحتوي على الأموال المستخرجة من الضريح المقدس، ففي كل يوم تبدأ الشعبة المختصة بفتح كيسين لغرض عد وفرز النقود المحلية والأجنبية على اختلافها بحسب فئاتها، وعزل المخشّلات الذهبية والفضية وبقية الأمور التي تحتوي عليها، فضلا عما يضاف من شعبة الهدايا والنذور التي قمت بتأهيلها وإعادة تقويمها بعد الاتفاق مع الأمين العام، وهي شعبة أتشرف بالإشراف عليها لتفعيل وتطوير أدائها، وتعمل على تسلم الهدايا والنذور من الزائرين الكرام بشكل مباشر، ومن ثم تودعها يوميا في صندوق العتبة الذي يسلمها بدوره الى شعبة العد والفرز.
توثيق ودقة في المحاسبة:
وأضاف الاستاذ ابو صيبع قائلا: يتم استدعاء مدير مصرف الرافدين في محافظة النجف الأشرف الأستاذ أحمد الجواهري أو نائبه، لكي تتم هذه العملية بالكامل أمام أنظارهم، وذلك لأنهم من ضمن اللجنة التي توقّع على تلك الأوامر أو تصادق عليها، إلى أن يتم عد كل الأموال ورزمها بحسب الفئات، وللاطمئنان لدقة العد والفرز يقوم مدير مصرف الرافدين ومعاونه مع (5-6) من الموظفات الثقات بعدّ النقود بالماكنات ومن ثم يتم رزمها وإعداد محضر متكامل بها، وعلى غرار المحضر الاول يتم إيداع المبالغ النقدية من السيد مسؤول الشؤون المالية الأستاذ طالب الليباوي ومعاونه السيد كرار الشماع بصحبة أناس متخصصين من حملة شهادة البكالوريوس في المحاسبة، ليتم إيداع الأموال في ذلك المصرف، إذ ان هناك حساباً مصرفياً معتمداً للعتبة المقدسة في مصرف الرافدين يتم الإيداع به بالدينار العراقي وبالدولار الأمريكي.
دور مصرف الرافدين في المراسيم:
من الشخصيات المهمة غير المنتسبة للعتبة المطهرة التي لها دور واضح في هذه المراسيم هو مدير مصرف الرافدين في محافظة النجف الأشرف الأستاذ احمد عبد الغفور الجواهري، الذي يتحمل جزء من المهام المالية والادارية الخاصة بمراسيم فتح الشباك العلوي، وفي هذا الصدد اوضح قائلا: واجبنا في برنامج ومراسيم فتح الضريح الشريف يتم بعد إخراج الاموال من الحرم الشريف وفق السياقات المعتمدة من اللجان المتخصصة، اذ نقوم بالتعاون معهم في تهيئة وتجهيز أمناء صندوق المصرف تحت إشرافي برفقة قسم الحسابات في العتبة المقدسة، إذ نقوم بالفرز وتثبيت الأرقام من خلال محاضر رسمية بهذا الامر، فيثبت المبلغ ويتم إيداع الاموال بالمعملة العراقية في الحساب الجاري الخاص بالعتبة المقدسة في مصرف الرافدين, أما العملات الاجنبية فتقوم العتبة المقدسة بالمزايدة العلنية عليها، والذي ترسو عليه المزايدة يضع المبلغ في حساب العتبة، ثم يقوم قسم الحسابات في العتبة ضمن الآليات والضوابط التي وضعتها الامانة العامة بإكمال المطابقات الشهرية للمبالغ، ومن ثم تقوم الامانة العامة – بالتعاون مع المصرف- بعملية سحب الاموال شهريا بحسب حاجة العتبة اليها.
تصريف العملات وإيداعها:
بعد استكمال عملية الجرد تقوم لجنة تصريف الأموال بالإعلان عن بيع الموجودات العينية وتصريف النقود الأجنبية، فيتم انتخاب حوالي عشرين شركة صيرفة من المتقدمين لعملية البيع.
وفي هذا الصدد قال الأستاذ عبد السلام أبو صيبع: يتم بيع الموجودات العينية وتصريف العملات الأجنبية وفق آلية مالية متكاملة ومنظمة في العتبة، ابتداء من فتح الضريح ولغاية صرف كل الأموال بوساطة اللجان المتخصصة فضلا عن الكوادر المالية والمدققين والشعبة القانونية.
وعن كيفية التصرف بهذه الأموال أوضح الأستاذ أبو صيبع: لدينا نوعان من الأموال التي تودع في حساب العتبة، النوع الأول هي الأموال التي تستخرج من داخل الشباك المقدس وهي تودع في مصرف الرافدين لحساب العتبة، والنوع الثاني هي الأموال التي تودع لدى شعبة الهدايا والنذور، وجميع هذه الأموال ليس لأحد حق التصرف بها باستثناء الأمين العام سماحة الشيخ ضياء زين الدين باعتباره المتولي الشرعي المخول للتصرف بها، فضلا عن الأموال المودعة في مصرف الرافدين المستخرجة من شباك ضريح أمير المؤمنين(عليه السلام) فإن الأمين العام هو المتولي الشرعي الوحيد بالتصرف.
أموال ترصد للمشاريع العمرانية والخدمية:
وفي معرض حديثه أشار الأستاذ أبو صيبع الى مصادر تمويل التوسع العمراني والخدمي في العتبة المقدسة قائلا: ان الانفتاح الجديد للعتبة العلوية المقدسة والاتساع الجاري في الأقسام الدينية والفكرية والمالية والهندسية والمشاريع المتعددة التي قامت بها العتبة العلوية المقدسة مؤخرا تترتب عليها التزامات مالية كثيرة، وتتطلب توفير أموال وتخصيصات عديدة لها، وكما تعلمون فإن الأموال المقدمة من قبل ديوان الوقف الشيعي ووزارة المالية والسيد رئيس الوزراء لا تغطي سوى (70% ــ 80%) من النفقات التشغيلية من رواتب ونفقات، ومع شكرنا وتقديرنا البالغ لهم فان هذه الأموال غير كافية، لأن المشاريع التي تنفق عليها العتبة المقدسة مشاريع عملاقة تحتاج إلى أموال كبيرة، فسماحة الأمين العام في بعض الأحيان يستخدم قسماً من هذه الأموال في دعم وتوسعة وإعمار أقسام العتبة.
فعلى سبيل المثال: ان المنحة التشغيلية لمضيف الزائرين المخصصة من ديوان الوقف الشيعي الموقر تبلغ 500 مليون دينار عراقي فقط، في حين أن سماحة الأمين العام أوعز الى مضيف الزائرين بتأمين 2500 إلى 3000 وجبة غذاء، وفي الزيارات الكبيرة قد تصل إلى 20 أو 30 الف وجبة غذاء، وهذا يترتب عليه توفير مبالغ كبيرة تفوق مبلغ الـ500 مليون دينار، لذا يوجه الأمين العام لسد النفقات المتبقية من واردات الشباك المقدس أو من واردات الهدايا والنذور.
مهامّ تلحق بعملية استخراج الأموال:
وحول الواجبات المعتاد القيام بها بعد تفريغ شباك الضريح من الأموال أوضح السيد محمد علي الحكيم عضو مجلس الادارة قائلا: بعد الانتهاء من عملية تعبئة الأموال في الأكياس المخصصة لها، نقوم بتنظيف الصندوق الخشبي والأضلاع الأربعة للشباك المقدس من الداخل ومن الخارج، وجمع الغبار وتلميع الاجزاء الخشبية والاجزاء الحديدية في الضريح باستخدام المواد المخصصة لكل نوع للتنظيف والترميم، وبعد أن تتم عملية التنظيف نقوم بوضع العطور داخل الشباك الشريف، اذ نضع عطرا خاصا للأرضية وعطرا خاصا للجدران وعطرا خاصا للصندوق الخشبي، وهي عطور دهنية خالصة 100% ومن مصدر نباتي خالٍ من الكحول والمذيبات حفاظا عليها، بعد ذلك يتم اغلاق الشباك الطاهر ويعاد فتح أبواب الحرم الشريف أمام الزائرين الكرام.
جوانب توعوية واجتماعية للمراسيم:
من جانبه أشار الدكتور محمد جواد الطريحي عضو مجلس ادارة العتبة العلوية المقدسة الى الجانب التوعوي والاجتماعي لمراسيم فتح الشباك العلوي الشريف قائلا: يُعَدُّ برنامج فتح شباك الضريح المقدس للإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) من المراسيم المهمة ذات الابعاد الايجابية التواصلية من حيث تضمنها استقبال الشخصيات السياسية والدينية والاجتماعية والعلمية والثقافية وغيرها من مختلف شرائح المجتمع من ضيوف العتبة المقدسة من داخل العراق وخارجه، الأمر الذي يلقى استحسانا واضحا من المشاركين في هذه المراسيم ويبعث فيهم روح الاطمئنان والرضا.
ختامه مسك:
وفي الختام، تقدم الأمين العام للعتبة العلوية المقدسة الشيخ ضياء زين الدين بكلمة توجيهية أشار فيها إلى بعض الظواهر السلبية التي قد تحصل من بعض الزائرين بشكل عفوي في ما يتعلق بموضوع بذل الهدايا في الشباك العلوي المقدس، إذ قال: نلفت نظر بعض زائرينا الكرام الى ما يصدر عنهم غفلة من رمي بعض الأشياء على الضريح العلوي المقدس كعلب السكائر والاقمشة والملابس وما شابه ذلك، وانتم تعلمون ان هذا المكان المقدس من أطهر وأقدس البقاع بعد قبر رسول الله(صلى الله عليه وآله) فلا ينبغي أن ترمى عليه او فيه مثل هذه الاشياء التي ما أنزل الله بها من سلطان، وقد يكون إلقاء بعضها مُشكلا.
واضاف الشيخ زين الدين: ان اكثر هذه الممارسات تحصل من النساء، وقد يعمد بعضهنّ إلى رمي ما يسمى بـ(السرّة)، إذ تقوم الأم برمي سرة الطفل المولود حديثا في ضريح أمير المؤمنين(عليه السلام) اعتقادا منها بان هذا الفعل سيجعل الوليد مواظبا على العبادة والزيارة، وهذه بدعة لا دليل عليها، فضلا عن المنظر غير اللائق والإشكال الشرعي في ذلك، اذ قد تكون هذه الأشياء غير طاهرة.
نشرت في الولاية العدد 79
