دون قباب النور.. ما نكون؟

5atnj0io68ta

شاكر القزويني

كيف ستكون حياتنا -على سبيل الخيال- دون عتباتٍ مقدسة، تزدهي بالقببِ المنيرةِ والمآذنِ السامقة، وعناوين الشرف الرفيع.
تخيّلوا دنيانا من دون أثرٍ شامخٍ ورمزٍ باذخ للمعاني والحضور، يمنح اليقين بالله وإمكانية الخلود في الدنيا قبل الآخرة، ويجسّد عاقبة المؤمنين ومكانةَ الباذلين في المواقف الكبيرة التي تحدّد مسارات التاريخ، القادرة على حسم مسار الحياة في منعطفاتها لصالح الإنسانية والقيم العليا، مهما اشتدّت الخطوب، واضعةً بذلك علامة فارقة تدل على البون الشاسع بينها وبين من اتخذ الدنيا قرارا ومستقرا فكان من الظالمين والمستكبرين، فأين هي عاقبة المجرمين، وأين مقامهم وما كنزوا؟
تخيلوا أحبتي كيف أن قيم الفضيلة والصلاح ومناهج العرفان بعظمة الخالق العظيم ودينه القيّم من دون أوتادٍ تثبتها بالأرض، وان مسيرة الزمن فيها تعرّي الجبال الرواسي وتمحو الأثر تلو الأثر، فكل ما سبق بين مندثر ومنسي وفاقدٍ للملامح والمعاني المؤسسة في منطلق وجودها.
وها نحن نرى قيمَ الأولين أثرا بعد عين، وإذا ما تيقنا ان ما في أيدينا آخر دين يهدى به العالمون، إجتمعت فيه الرحمة والعلم والجمال والهدى والنعيم، أفلا يستحق مثالا سرمديا شاخصا يمسك بتلابيب الخلود ويستأثر بعبادة العاشقين، ومن دون هذا ألا يضمحل المثال والرمز والأسوة مع ما اضمحل وذاب في غياهب أحداث الدنيا ومجرياتها وتداعياتها المتلاحقة، فترى الأمم تمحو الأمم والغايات تمحق الغايات والشعارات تستبطن المآرب والغوايات، ناهيك عن آفات الجهل والضلالة والطمع.
وترى بأم عينك كيف يلوذ أهلُ العلم والفضيلة والفلاح بهذه القباب، فهناك يطحنون قمحَ التوحيدِ ويعجنونه بماء وجوههم السمحة البهية، ويخبزون أرغفة الورع والتقوى والهداية بوطيس التنزيل والعترة المطهرة، ويغمسونها ببحور العرفان والأصول وصدق العبادة وحسن البيان وجمال البلاغة، ليمدوا أنهارهم العذبة النقية بروح المجتمع، ليغتسل من أدرانه وشكوكه وضلاله، ولتنجلي نواظره ليهتدي الى ضالته، بالعيش في مجتمع صالح سعيد، خال من الجهل والمرض والفقر والعبودية وكل أنواع الظلم.
أليس مَنْ رأى وسمع أثبت جنانا وأيقن شهادة ممن سمع فحسب؟ وهذه القباب السميّة تحيا بين ظهرانينا نلقي عليها التحية والسلام، فترد بأفضل منها، وتلك الشموس النيرة تذرف الأنوار خشوعا على مشاهدهم البهية، فهي بيوت الله التي تهوي اليها أفئدة العارفين، وتستظل بظلها القلوب المكسورة لتُجبَر، والأرواح العطشى لترتوي، فإليهم تُسلك الدروب وإليهم تحنّ القلوب، فهم شفاء ورحمة لمن عرفهم وأقرّ بحقهم واتبع منهجهم، والله ولي المهتدين.

 

نشرت في الولاية العدد 79

مقالات ذات صله