من مقتضيات قبول العبادة.. حب الله ورسوله

 

asdasdfsdafd

د. محمد كاظم الفتلاوي

تتضمن العبادة لله -إلى جانب الخضوع له- حب الله تعالى ورسوله وآله (عليهم السلام)، قال تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ) «آل عمران/31». يقول السيد الطباطبائي: (الحب الذي هو بحسب الحقيقة الوسيلة الوحيدة لارتباط كل طالب بمطلوبه وكل مريد بمراده، إنّما يجذب المحب إلى محبوبه ليجده ويتم بالمحبوب ما للمحب من النقص، ولا بشرى للمحب أعظم من أن يبشر أن محبوبه يحبه وعند ذلك يتلاقى حبان ويتعاكس دلالان).

 

الإيمان وحب النبي وأل بيته:
وفي هذا الربط الوثيق بين الإيمان والحب, قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وماله, والناس أجمعين).
وفي هذا حديث آخر أن عمر بن الخطاب قال للرسول(صلوات الله عليه وعلى آله): (يا رسول الله, والله لأنت أحب إلي من كل شيء إلاّ من نفسي), فقال النبي(صلى الله عليه وآله): (لا, والذي نفسي بيده, حتى أكون أحب إليك من نفسك)، وفي تأكيد آخر على أن من مقتضيات العبادة حب الله تعالى ورسوله(صلى الله عليه وآله)، يقول الحبيب محمد: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهلي أحب إليه من أهله, وعترتي أحب إليه من عترته, وذريتي أحب إليه من ذريته).
وكذلك نلحظ حب النبي وآله في حديث النبي المروي عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)، أنّه قال: (إني شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب الدنيا، رجل نصر ذريتي، ورجل بذل ماله لذريتي عند المضيق، ورجل أحب ذريتي باللسان وبالقلب، ورجل يسعى في حوائج ذريتي إذا طردوا أو شردوا).
وقال تعالى: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) «الشورى/23».
وقد ذكر الطبري وجوهاً لتفسير هذه الآية نختار منها ما رواه عن الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) عندما جيء به أسيراً، فأقيم على درج دمشق, قام رجل من أهل الشام, فقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرني الفتنة, فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): أقرأت القرآن؟ قال: نعم, قال: أقرأت آل حم؟ قال: قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم, قال أما قرأت(قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) «الشورى/23»؟ قال: وإنكم لأنتم هم؟ قال: نعم.
ويقول البغوي(ت510هـ) وهو في معرض الدفاع عن الآية والرد على القائلين بأنها منسوخة: (وهذا قول غير مرضي، لان مودة النبي(صلى الله عليه وآله)، وكف الأذى عنه، ومودة أقاربه، والتقرب إلى الله بالطاعة، والعمل الصالح من فرائض الدين).

كلهم مكلفون بمودة أهل البيت:
ويقول الآلوسي في تفسير هذه الآية: (والخطاب على هذا القول لجميع الأمة لا للأنصار فقط، وإن ورد ما يوهم ذلك فإنّهم كلهم مكلفون بمودة أهل البيت عليهم السلام..)، ويضيف: (وكلما كانت جهة القرابة أقوى كان طلب المودة أشد، فمودة العلويين الفاطميين ألزم من محبة العباسيين على القول بعموم القربى، وهي على القول بالخصوص قد تتفاوت أيضاً باعتبار تفاوت الجهات والاعتبارات وآثار تلك المودة التعظيم والاحترام والقيام بأداء الحقوق أتم القيام، وقد تهاون كثير من الناس بذلك حتى عدوا من الرفض السلوك في هاتيك المسالك، وأنا أقول قول الشافعي:
إن كان رفضاً حب آل محمد        فليشهد الثقلان أني رافضي
وفي بيان تتمة الآية: (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ الله غَفُورٌ شَكُورٌ) «الشورى/23» يقول الآلوسي: (وحب آل الرسول عليهم السلام من أعظم الحسنات، وتدخل في الحسنة هنا دخولاً أولياً، (نزد له فيها)، أي في الحسنة (حسناً) بمضاعفة الثواب عليها فإنّها يزاد بها حسن الحسنة).

أجر الرسالة من المسلّمات:
وقد أورد جملة من المفسرين حديث النبي (صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين) في تأكيده على حب آله (سلام الله عليهم)، وأوردوه إيراد المسلمات، وهو قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): (من مات على حب آل محمد مات شهيداً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنّة، ثم منكر ونكير، ألا ومن مات على حب آل محمد يُزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها، ألا ومن مات على حب آل محمد فُتح له في قبره بابان إلى الجنّة، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة، ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: آيس من رحمة الله، ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافراً، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة).
فالآية إنما تشدد على مودة آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) وهذه المودة هي أجر رسالة النبي (صلوات الله عليه وآله) بأمر القرآن الكريم، فنفع هذه المودة موصل إلى عبادة الله تعالى، وذلك لأنّها (استمرار خط رسالة النبي الكريم بواسطة القادة الإلهيين وخلفائه المعصومين الذين كانوا جميعهم من عائلته، ولكن لأن المودة هي أساس هذا الارتباط نرى أنّ الآية الكريمة أشارت بصراحة إلى ذلك).
ولهذا تستلزم هذه المحبة موافقة الله تعالى والرسول(صلى الله عليه وآله) في ما أحبّاه، وفي ما أبغضاه، ولا تتحقق العبودية إلاّ بذلك لقوله تعالى: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ والله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) «التوبة/24».

 

نشرت في الولاية العدد 80

مقالات ذات صله