عثرات رسم الخطاط عثمان للمصحف الشريف

quran23_l

واثق زبيبة الموسوي

ينقسم الرسم القرآني إلى قسمين، الاول قياسي وهو موافقة الخط للفظ، والثاني اصطلاحي وهو مخالفته ببدل أو زيادة أو حذف أو فصل أو وصل، للدلالة على ذات الحرف أو أصله أو فرعه أو رفع لبس أو نحو ذلك من الحكم والمناسبات.
والرسم القرآني من الأمور الاصطلاحية التي لم تُتَلَقَّ بوحي من الله تعالى، وإنما كتبت على نحو ما اتفق عليه الناس من الرسم في ذلك الوقت، وقد اصطلح على تسميته بعد ذلك بالرسم العثماني الذي يخالف الرسم الإملائي المعاصر.

على ان ذلك لا يعد نقصاً في القرآن الكريم، لأنه لم ينزل مكتوباً وإنما نزل متلواً، فلا يضره أن يكتب خطأ، وذلك لأن كتبة القرآن لم يكونوا على معرفة بقواعد الخط, فكتاباتهم للقرآن إنما هي على حسب ما يملكون من ثقافة واطلاع.
ونحن لا ينبغي أن نتعبد بكتابة الخاطئين, فإنها ليست من عمل المعصومين (عليهم السلام).
والذي أرجحه على جهة التحقيق انه لا يوجد هناك اسم واقعي للرسم العثماني في يومنا هذا إذ هو من قبيل (رب مشهور لا أصل له) وللبرهنة على ذلك بنحو بديهي نعتمد على العمق التاريخي لمراحل الكتابة العربية والأدوار التي مرّت بها، والخط الذى كتب وما زال القرآن يكتب به انما كان ثمرة مراحل متعاقبة الى نهاية القرن الثالث الهجري إذ بلغ ذروته في الاتقان والجودة والحسن، فالرسم القرآني المتداول لايمت الى الرسم العثماني بصلة الا في السقطات والهفوات والاغلاط ودعوى توقيفية خط المصحف العثماني وتعبديتها وحرمة احداث ادنى كشطة تستلزم تعرية القرآن من النقط والحركات وتدوينه بالخط الكوفي الاول، وهو باطل قطعاً لم يلتزم به أشد متزمتي تلك الفرية، واذا تم تغيير الخط القرآني فالواجب ايضاً ازالة ما وصم به من الاغلاط لانه حطّ لقداسته وتعمد لتحريفه وطعن في اعجازه و كماله وشموخه وعظمته.
ومن العلماء من اصر على بقائه على ما كان عليه في العهد الاول وذلك بدعوى ان رسم المصحف توقيفي، مثل الزمخشري الذي ذكر في الكشاف أن(خط المصحف سنة لا يتغير) لكننا لو سألناه اين الدليل من السنة المطهرة لقال: لا شيء، او استند الى أحاديث لا تصمد أمام النقد.
وقد علل كثير منهم ظواهر الرسم بعلل لغوية أو نحوية أو بيانية، وبينوا أوجه بعض أشكال الرسم بيانياً، يقول ابن قتيبة: «وليست تخلو هذه الحروف من أن تكون على مذهب من مذاهب أهل الإعراب فيها».
ولو تتبعنا هذه المذاهب لم نجدها وأيضا هو لم يبينها، ولو كان رسم المصحف توقيفيا، لكانت خطوط كتاب الوحي واحدة، وليس الأمر كذلك، فقد أشير كثيرا إلى اختلاف المرسوم منها في جملة من الروايات.
على أنّ رسم المصحف سنّة سنّها كُتاب المصاحف فأقِرّت. وإنّما العمدة في النّطق بالقرآن على الرّواية والتّلقي، وما جُعلت كتابة المصحف إلاّ تذكرة وعوناً للمتلقّي.
استدلال الرأي التوقيفي
واستدل اصحاب رأي (أن رسم المصحف توقيفي لا تجوز مخالفته) بأدلة كثيرة منها: أن النبي(صلى الله عليه وآله) كان له كتّاب يكتبون الوحي، وقد كتبوا القرآن الكريم بهذا الرسم، وأمرهم الرسول بكتابته، ومضى عهده والقرآن على هذه الصورة، ولم يحدث فيه تغيير ولا تبديل – بل ورد أنه(صلى الله عليه وآله) كان يضع الدستور لكتاب الوحي في رسم القرآن وكتابته.
وأصحاب هذا الرأي قد فقدوا الحد الأدنى من الذكاء، فإذا كان موقوفاً على الوحي فلماذا الشهود؟ ولماذا تسليم المصاحف؟ ولماذا الجدال حول انتساب أو عدم انتساب بعض السور؟ ولماذا اختلفوا في أوّل سورة على اثني عشر قولاً؟ ولماذا نقصت سورة الأحزاب وبراءة؟ ولماذا اختلفوا في عشرات الألفاظ وعشرات الآيات؟ ولماذا اختلفوا في المكي والمدني وأسبقيات النزول؟ ولماذا اختلفوا في القراءات حتى اعتزل ابن عباس قراءتهم، ولماذا خطأ بعضهم بعضاً حتى تفاقم الأمر في عهد عثمان وزعموا أنّه هو السبب في جمعه المصحف على عهده، لماذا قالوا: (اختلفوا في القران على عهد عثمان حتى اقتتل الغلمان والمعلمون)؟
خلاصة القول في الحجة البالغة
إن القرآن الكريم هو أعظم الكتب السماوية, أنزله الله على خاتم النبيين والمرسلين محمد(صلى الله عليه وآله) واتفقت كلمة المسلمين من كل المذاهب على أن ألفاظه جميعا (من دون زيادة ونقصان) هي وحي إلهي لم تنله يد التحريف والتغيير قط، قال الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9) وقال الله تعالى:(لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله)(يونس: 64) وقال تعالى:(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)(الشعراء: 193 ( 195) وقال تعالى:(إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف: 3) وقال تعالى: (قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(الزمر: 28).
فلا عوج فيه لا من حيث اللفظ والنظم ولا من حيث المعنى، وقد أنزل الله كتابه لتوحيد كلمتهم، وضم شملهم وضمان حقوقهم، وتهذيب أخلاقهم لكن هناك بعض العثرات على الخط الذي رسم به المصحف من قبل الخطاط السوري الاستاذ عثمان طه (المصحف الموجود بيد المسلمين الآن) والمحافظة عليه كتابة وقراءة، وترتيلا وتجويدا، أما غير ذلك فإنه لعب بكتاب الله، وتعريض له للضياع، وسبب في تفريق كلمة المسلمين .

نشرت في الولاية العدد 84

مقالات ذات صله