أبو ذر الغفاري

441

فارس رزاق علوان الحريزي

عندما يتناول القلم احد الصحابة الافاضل والرئبال (الاسد) من الأوائل لا يمكنه تجاوز من دنا تواضعا وعلوا ومكنته سجيته من تسلق معدن العز، والوصول الى الخلق الجزل، فقد كان صوته مدويا في حياته، وبقت سيرته نبراسا لثوار المجد في سماته اذ هو اول من حيّا رسول الله صلى الله عليه واله بتحية الاسلام، فكان حبيبه وخليله وجليسه كان ترتيبه في الاسلام الرابع او الخامس(رجال من الصحابة أحمد مغنية)، وقد دفعه زهده ان يقول: ذو الدرهمين اشد حسابا من ذي الدرهم فهو المكافح في سبيل الحرية والعدالة والمساواة، ونذر حياته رخيصة وزهيدة فنال الشهادة من اجل مبادئه العملاقة وامتطى الخطوب.
لذا نال الربا في صحبة الرسول صلى الله عليه واله والذي قال: امرني ربي بحب ابي ذر الذي تشتاق له الجنة وما اظلت الخضراء ولا افلت الغبراء من ذي لهجة اصدق من ابي ذر(الكاتب)ألا هو جندب بن جنادة الصحابي المهاجر (ابو ذر).
كان ابو ذر يعد من شيعة علي عليه السلام ومحبيه وهو احد الأركان الأربعة عمار وسلمان والمقداد وهم اول من نادى بالتشيع لعلي عليه السلام، والولاية له بعد رسول الله صلى الله عليه واله، واعتبروا ذلك من صميم الاسلام، وكانوا المثل الاعلى للثبات على هذه العقيدة والدفاع عنها، فكان يقول عليكم بالشيخ المظلوم والمضطهد حقه علي بن ابي طالب، فكان معلنا بفضله واحقيته بخلافة المسلمين على من سواه ولا ريب في ذلك لأنه يدخل معه الجنة اذ اخبر رسول الله صلى الله عليه واله: ان الجنة تشتاق الى اربعة علي وعمار وابي ذر والمقداد.
وقف بقوة وعزم بوجه عثمان وولاته لمخالفتهم سيرة الرسول صلى الله عليه واله واغداق عثمان على بني امية وضعفه تجاههم مما دفعه ان ينفيه الى الشام تحت سلطان معاوية، ويظهر ان في ذلك مصلحة الهية أريد بها انتشار التشيع في جبل لبنان على يد هذا الصحابي الجليل، اذ بين للناس الطريق الواضع للإسلام، وكان له علمٌ لا يخالطه جهل، وصدق لا يشوبه كذب، وله في هذه البقعة مجدان الآن يحملان اسمه(رجال حول الاسلام، خالد محمد خالد) وعندما رأى قصر معاوية الاخضر صرح بوجهه قائلا: يامعاوية اذا كان هذا القصر من مالك فهو اسراف، وان كان من مال الناس فهو خيانة(عظماء الاسلام، عبد العزيز سلمان) ثم قرأ (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّه فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيم)التوبة/34.
وعندما خطب معاوية قال: المال مالنا والفيء فيؤنا فمن شئنا اعطيناه ومن شئنا منعناه، فقام ابو ذر قائلا: بل المال مالنا، والفيء فيؤنا، فمن حال بيننا وبينه حاكمناه الى الله بأسيافنا(عظماء الاسلام، عبد العزيز سلمان).
فكتب الى عثمان بإخراجه من الشام، فنفاه عثمان الى الربذة بعد تأنيبه بقوله له: والله لا يجمعني واياك دار قد خرفت وذهب عقلك، اخرجوه من بين يدي.
وامر مروان ان يخرج به، وبأن لا يشيعه ولا يكلمه احد، وعندما بلغ امير المؤمنين ذلك بكى عليه وقال: أهكذا يصنع بصاحب رسول الله صلى الله عليه واله، وإنا لله وانا اليه راجعون، وامتنع الناس عنه الا عليا وعقيل والحسن والحسين وعمار فانهم خرجوا معه يودعونه رغم اعتراض مروان الذي نال من علي القول تنح نحاك الله من النار(رجال من الصحابة أحمد مغنية).
وهكذا دأب امير المؤمنين وعاداته وخلقه الجزل، فهو الذي ادخله ساغبا (جائعا) على رسول الله صلى الله عليه واله بعد ان رغا غريب الوطن وضيفه قبل اسلامه، وهو الذي ودعه بزهو وكبرياء عند نفيه الى الربذة رغم تمادي مروان ورعونته فقال ابو ذر وكان شيخا كبيرا (رحمكم الله يا اهل بيت الرحمة اذا رايتكم ذكرت بكم رسول الله صلى الله عليه واله).
توفى بالربذة سنة 32ه ولم يكن معه الا ابنته (وقيل زوجته بعد أن توفت ابنته) ولم يكن لديهم تجهيزه وقد اخبر رسول الله انه: يسعد به اقوام يقومون بأمره واقباره، وتحقق الاخبار وكان حضور ثلاثة عشر رجلا بقيادة مالك الاشتر ومعه عبد الله بن مسعود وحجر بن عدي فتولوا غسله والصلاة عليه واقباره(مراقد المعارف ج1 ص101) وأخذوا ابنته معهم الى المدينة الى دار امير المؤمنين عليه السلام(المصدر نفسه).

نشرت في الولاية العدد 85

مقالات ذات صله