من شعراء جَبل عامل إبراهيم بن يحيى العاملي

من-كنت-مولاه

د. حسين لفته حافظ

امتاز شعر جبل عامل الذي قيل بحق اهل البيت(عليهم السلام)  بخصوصية ميزته عما سواه من الاشعار التي قيلت بحق العترة الطاهرة، وتأتي هذه الميزة من العاطفة الصادقة المخلصة لحب اهل البيت، فضلا عن هذا فقد انماز هذا النوع من الادب بالالتزام، والمقصود به ان الشعراء كانوا يسخّرون كل طاقاتهم الفنية لخدمة قضية اهل البيت وبيان ما تعرضوا له من ظلم وجور خلال هذه السنوات الطويلة، ومن هؤلاء الشعراء الشيخ ابراهيم العاملي.

الشيخ إبراهيم بن صادق العاملي، شاعر وأديب ورجل دين شيعي من جبل عامل, كان أديبا وشاعرا وعالما فاضلا من تلامذة السيد علي محمد الأمين .
مكث في النجف مدة طويلة، تتلمذ فيها على عدد من العلماء منهم الشيخ حسن بن جعفر آل كاشف الغطاء والشيخ مهدي بن جعفر آل كاشف الغطاء والشيخ مرتضى الأنصاري(أعيان الشيعة – السيد محسن الأمين – المجلد 7 – الصفحة 357 – رقم الترجمة 1285 ): ترجم له جواد شبّر في أدب الطف فقال: «كان من العلماء الافاضل، خفيف الروح»( ينظر ادب الطف :7/176)
وكتب السيد حسن الأمين عنه فقال: «وآل صادق من أشرف بيوت العلم في جبل عامل وأعرقها في الفضل والأدب نبغ فيهم أعلام في الفقه والشعر لم تزل آثارهم غرة ناصعة في جبين الدهر ولا سيما شعراؤهم الأفذاذ الذين طار صيتهم في الآفاق، وكانوا يعرفون قبل الشيخ صادق بآل يحيى نسبة إلى جدهم الذي كان من صدور علماء عصره وأدبائه» ( أعيان الشيعة – المجلد 2- رقم الترجمة 246 – صفحة 144). توفي رحمه الله في العام 1284 هجرية.

من قصائده:
يا للرجال لجرح ليس يلتئم           عمر الزمان وداء ليس ينحسم
حتى متى أيها الأقوام والأمم       الحـــــق مهتضم والدين مخترم
وفيء آل الرســـــــــول مقتسم
***
لقد فشا في بني المختار نسكهم          كما فشا في بني العباس إفكهم
فقال من كان لا يحويه سلكهم               لا يطغين بني العباس ملكهم
بنو عليّ مواليهـــــــــــــم وإن زعموا
***
بنوا نثيلة لا واللَه ما لكم                 فخر على معشر كانوا جمالكم
لو أتقيتم وجانبتم ضلالكم               أتفخـــــــــــرون عليهم لا أبــــــا لكم
حتى كأن رســـــــــــــول الله جدكم
***
أفاضـــــــــــل ربهم الله فضلهم        فاختارهم للهدى والعلم حملهم
وبالخلافة دون النـاس يجلهم           قــــــام النبي بها يوم الغدير لهم
والله يشهد والأملاك والأمم
***
ولعل اللافت للنظر عند شاعرنا هو طول نفسه الشعري مع المحافظة على جودة النص دون الوقوع في التكرار او الحشو الممل او الاطالة الزائدة انما كان الشاعر يشد القارئ معه ويأخذه معه الى عالم التأثير من جهة البيان الشعري وربما يعود السبب الى غنى الموضوع الشعري الذي امد الشاعر بهذه الطاقة الايحائية التي اعطته زخما دلاليا كبيرا نتيجة تنوع وكثافة الاحداث التي يعالجها في قصيدته. ومن المسائل الفنية التي ساعدت على نجاح الشاعر نذكر:

حسن التخلص :
يعرفه ابن أبي الإصبع: بأنه حسن الانتقال من موضوع لآخر مع حسن الاتصال والربط بحيث تكون القصيدة منسجمة ومتماسكة برغم تعدد الأغراض بها، وأشار إلى أن القدامى لم يكونوا حريصين على هذا الوصل على عكس المتأخرين فقد أكثروا منه. والملاحظ على قصيدة الشاعر ابراهيم العاملي انه كان يحسن توظيف هذا الفن اذ انه كان ينتقل من موضوع الى اخر دون ان يشعر القارئ بذلك وكأن القصيدة كانت عبارة عن قطعة متلاحمة الاجزاء.

الاساليب الفنيّة :
بدأ الشاعر قصيدته بأسلوب النداء في قوله:
يا للرجال لجرح ليس يلتئم
فقد استعمل الشاعر ياء النداء وهي تستعمل عادة لنداء البعيد أو ما في حكمه وكذا لنداء المتفجع عليه أو المتوجع منه، وكذا لنداء القريب فهي أم الباب، لها ما ليس لغيرها من الأحكام , ونلاحظ مدى قصديّة الشاعر في هذا الاستعمال فهو يريد ان يظهر حجم التحسر والتوجع على ما حدث في واقعة الطف الاليمة لذلك كانت البداية حزينة وفيها دعوة لاستنهاض الهمم لان الحدث كبير والجرح عميق غير قابل للالتئام, فيجب ان يكون التأثير كذلك بما يتناسب والواقعة الاليمة.

الاستفهام الاستنكاري :
اكثر شاعرنا من استعمال اسلوب الاستفهام المجازي الذي يخرج لغرض الاستنكار, فالشاعر في اكثر استفهاماته لا يطلب جواباً انما يريد ان يثير العقول ويبعث فيها الصدمة عسى ان تعود الى رشدها وتعرف حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها انظر الى قوله :
حتى متى أيها الأقوام والأمم       الحق مهتضم والدين مخترم
وفيء آل الرسول مقتسم
فالملاحظ ان الخطاب موجه الى جماعة وصفهم بالأقوام وبدا بالقل ثم انتقل الى الاكثر وهم الامم فالقضية هنا قضية عالمية لا تنحصر بطائفة معينة انما تعني العالم باسره متمثلا بالأمم وهذا الكلام ينسجم والخطاب القرآني لنبي الرحمة (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين ), اما لماذا هذه الدعوة لان الموضوع يتعلق ببضعة النبي صلى الله عليه واله وسلم انها الزهراء سلام الله عليها وبعلها سيد البلغاء علي بن ابي طالب عليه السلام, ويأتي هذا الخطاب ايمانا من الشاعر بان الشعر في احد جوانبه يمثل الوسيلة الاعلامية المثلى لإيصال صوت الحق والعدالة لأنه يبقى صرخة مدوية في وجه الظلم والطغيان تتناقله الاجيال جيلا بعد جيل.

اسلوب الشكوى المجازي:
امتاز شاعرنا بطريقة فنية جميلة في تجسيد الاشياء المعنوية من خلال محاولته نقل همومه بطريقة الشكوى الفنية التي تحاكي الهم محاولا تصويره بطريقة لا تخلو من براعة وقدرة فيستعمل التمني بالأداة (ليت) من خلال رسم صورة مجازية تصور العذل والهم وهي اشياء معنوية على انها اشياء محسوسة يمكن لمسها وكما حصل مع الهم فقد جعل منه طوقا يحيط به من كل جانب حتى قيده عن الحركة, ثم يلحق ذلك كله شكوى مليئة بالمرارة ابعدت النوم عن عينيه وهنا شاعرنا يحاكي الشعراء القدامى في شكواهم وقلة نومهم وما يلحق ذلك من ارق, ويبدو ان الشاعر كان يقصد الى تحسين اللفظ وتجميل المعنى من خلال الاهتمام بأساليبه الشعريّة فقد عمد شاعرنا الى استعمال اسلوب الجناس في قوله (الهم والهمم) وهو شكل من اشكال الاساليب البديعية يحسن اللفظ ويكسبه صبغة جمالية.

نشرت في الولاية العدد 85

مقالات ذات صله