العوامل النفسية وأثرها في الثورة الحسينية

KD780701

د. ثائر عباس النصراوي

الثورة هي تغيير جوهري في النظام السياسي للدولة من شأنه استبدال طبقة من الحكام بطبقة أخرى، وهناك ثورات تطلب التغيير الشامل لكل نواحي الحياة ومفاصلها , ومن مفاخر الثورات أنها صحوة للشعوب، وبها تزداد ثقتها بنفسها ويشعر بها المواطن أنه أكثر كرامة، ويرتفع بسببها مستواه في جميع النواحي سواء المادية أو المعنوية.

والثورة إن لم يكن لها برنامج عملي وأهداف تتجاوز تغيير النظام إلى تغيير المجتمع نفسه فهي ليست بثورة، وهذا ما ينطبق على ثورة الإمام الحسين عليه السلام التي حاولت تغيير البعد الفكري للمجتمع بالمستوى الأول فضلا عن النواحي الأخرى لذلك المجتمع، ودعوته إلى مساره الصحيح الذي اختطه له صاحب الرسالة الإلهية الرسول محمد صلى الله عليه واله.
هدف وغاية الثورة الحسينية:
تبتدئ السنة الهجرية بذكرى أبي عبد الله الحسين عليه السلام التي هي ذكرى مستمرة بالنسبة للمسلمين ومدرسة مفتوحة دائما لكل طالب في الحياة.
وما أحوجنا إليها في هذه الأيام لما تحفل به من دروس حية على نهج مدرسة القرآن في التأريخ إذ إنه كما بين الله جل وعلا في آيات كثيرة ليس للذكرى وليس للتزكية ولا الافتخار فقط، وإنما هو عبرة ودرس للحاضر، فماضي البشر كحاضرهم وكمستقبلهم في القضايا الكبرى، وأكبر القضايا هي قضية (العدالة في المجتمع) وقضية (الكمال في السلوك).
وهذا هو هدف وغاية الرسائل السماوية منذ آدم عليه السلام إلى نبينا الخاتم محمد صلى الله عليه واله، فالبشر دائما منذ قابيل وهابيل يريدون أن يكونوا عادلين في مجتمعاتهم وكاملين في سلوكهم، أو أن يكون المجتمع في نظامه عادلا, وثورة الإمام الحسين عليه السلام هي التعبير الساطع عن هاتين المسألتين، مسألة الكمال في السلوك ومسألة البحث عن العدالة في المجتمع , فالذين اتبعوا الإمام الحسين عليه السلام – سواء في زمانه أو في زماننا – يمثلون الكمال في السلوك، أو السعي نحو الكمال في السلوك ، والعدالة في المجتمع.

الثورة وأنواعها عند الأئمة:
إن الثائر الذي يبحث عن العدالة ويعمل من أجلها قد يكون عمله بالسلم، كما آثر الإمام الحسن عليه السلام أن يعمل بالسلم، لأن الظروف قضت عليه بذلك، أو ما بعد الإمام الحسين عليه السلام منذ الإمام زين العابدين عليه السلام إلى الإمام العسكري عليه السلام ، لذا لنا أن نسأل ترى هل كان الإمام الحسن عليه السلام ثائرا؟ أو كان مواليا للنظام الأموي؟ ومن بعده الأئمة من الباقر إلى العسكري عليهم السلام هل كانوا ثوارا؟ أم كانوا مسالمين و موالين؟
لاشك أنهم كانوا ثوارا, وكانوا في أعلى الدرجات الثورية وإن كانوا يمارسون الثورة بأسلوبهم وبحسب ظروفهم، فالثورة ليست هي العنف، وليس التعبير عن الثورة دائما بالسيف, لذلك فإن موقف الإمام الحسن عليه السلام وظروفه هي التي تحدد ما إذا توجب عليه الثورة بالسيف أم لا.

العوامل النفسية وأثرها في الثورة الحسينية:
الإنسان في كل مجتمع يخاف أو يأمن، فالإنسان الذي يأمن يتصرف تصرف الآمن، أما الإنسان الذي يخاف فإنه يتصرف تصرف الخائف، ولكن الإنسان مم يخاف؟ من أي شيء خاف الإمام الحسين عليه السلام ؟ من أي شيء خاف الخوارج؟
تارة الإنسان يخاف من الحق، فيفتعل تمرداً ضد الحق، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة عن قوم تركوه ولحقوا بمعاوية ما معناه ((إنهم عرفوا الحق وتركوه إلى الظلم وإلى أثره )), أما الإنسان العادل فإنه يخاف من الباطل، الحسين عليه السلام من أي شيء خاف؟ ما الذي كان يخيف أنصار الإمام الحسين عليه السلام ؟ فالحسين لم يقنع أصحابه بأن يتبعوه، بل حاول إقناعهم أن يتركوه فقال لهم ( ان هذا الليل قد أقبل فاتخذوه جملا واتركوني، فالقوم لا يطلبون غيري) فحاول إقناعهم بتركه ولم يقنعهم باتباعه، إذن ما الداعي الذي دعاهم إلى اتباعه؟
الداعي هو أنهم كانوا خائفين مثله، فكان يجمعهم خوف واحد من شيء ما فما هو؟ هل كان خائفا على منصبه؟ أم كان خائفا على ثروته أن يأخذوها؟ أم كان له مطالب وظيفية ولم يعطوه إياها؟ من أي شيء يخاف إذا؟ كل هذه الأمور كانت ميسرة منصبه الاجتماعي، ومركزه الديني الفائق كان محترما ومبجلا لم يمسه أحد بسوء، فالثروة والأموال كانت متاحة بين يديه على أوسع نطاق، وحتى أصحابه جعلهم من أعيان الناس وكانوا محترمين مبجلين، فاذا من أي شيء خافوا؟
إن الخوف الحقيقي لم يكن على الحالة الخاصة، لم يكن على الحق الخاص، فالحق الخاص كان محفوظا، فالخوف كان على الكيان العام للأمة، لأن الحسين عليه السلام كان إماما معصوما، له مشروعه الدائم والمتحرك وهو المشروع المتمم للرسالة السماوية التي جاء بها النبي الأكرم محمد صلى الله عليه واله، فمشروع الحسين عليه السلام دائم النمو والحركة وهو مشروع إسلامي، وهذا المشروع يبقى حيا ما دام الإسلام، والإسلام حي لأنه هو الذي يدفع الناس إلى الحرية والهداية، فما دامت هذه القيم الخالدة باقية فمشروع الإمام الحسين عليه السلام باقٍ خالد لأنه لا يهتم بمال أو جاه أو منصب أو أغراض دنيوية زائله، بل يهتم بالقيم الإنسانية الخالدة.
المشروع الرسالي للثورة الحسينية:
إن مشروع الحسين عليه السلام كان مهددا وليس حياة الإمام الشخصية فقط, فلو وافق الإمام عليه السلام على أن يسكت نصف سكوت، وليس سكوتا كاملا، لأعطيت له كل الدنيا, ولكن ماذا يتبع هذا السكوت، يتبعه الذل والهوان والتبعية للظالم.
وهذا المشروع كان مهددا منذ زمن النبي إلى يومنا هذا فالإمام علي عليه السلام كان مهددا أيضا إذ قال عندما كان في طريقه إلى البصرة: (إن هؤلاء القوم – أي الظالمين – قد اتخذوا مال الله دولا وعباده خولا، والصالحين حلابا، والفاسقين حزبا) فكان المشروع الإسلامي برمته في خطر0 الخوف إذاً هو الذي يدفع الإنسان إلى التحرك، فمثلا حينما نفكر في اننا سنموت بعد أيام أو أشهر أو سنين، ويحفر لنا التراب وندفن تحت التراب، ونحاسب قبل القيامة فاننا سنتحرك باتجاه اصلاح آخرتنا.
فإذا كان الإمام الحسين خائفاً، فما هو حال عمر بن سعد، هل كان خائفا حتى تحرك هذه الحركة التي يزعم بها قتال الحسين عليه السلام، وكذلك ما حال شمر بن ذي الجوشن، وعبيد الله بن زياد، ويزيد بن معاوية، فهل كانوا كلهم خائفين؟ الحقيقة كلهم كانوا خائفين من مشروع الحسين عليه السلام ولذلك تحركوا، لأنهم كانوا خائفين على مصيرهم، فيزيد لم يكن لديه مشروع بل كان لصا متوجا بسلطان الإمارة، لصا يحاول سرقة المشروع الإلهي المحمدي، كذلك عبيد الله بن زياد فكل منهم خاف على مشاريعه الخاصة، التي هي ضد المشروع العام ضد مشروع كرامة وعزة وتكامل البشر.
فهذان الخوفان -الخوف العام والخوف الخاص- أوجدا حركتين متقابلتين متناقضتين، ونتيجتهم كانت ثورة كربلاء.
ففي كل ثورة، نجد ان الثائرين يخافون على مشروع عام يشمل أوسع جماعة من الناس، وهذه النظرة لا تشمل الإسلام فقط بل في كل أرجاء العالم، في حين ان الظالمين يخافون على مشاريعهم الخاصة.
فالثورة تنشأ عن خوف، ولكن عن خوف عادل، عن خوف مشروع، عن خوف على المشروع الإلهي، أما الخوف الدنيوي أو الطبقي أو العائلي فلا يجوز أن يخالف من أجله حكم الله هذا ما نفهمه من مدرسة الحسين عليه السلام التي هي امتداد لمدرسة الرسالة المحمدية الإلهية.

نشرت في الولاية العدد 86

مقالات ذات صله