مفاهيم قرآنية: مفهوم التسبيح

13665225322

الشيخ كاظم الصالحي

التسبيح يعني تنزيه الله عز وجل من الشرك وكل ما يستدعي نقصاً أو حاجة مما لا يليق بساحة كماله تبارك وتعالى

الرؤية القرآنية عن التسبيح:
استعمل القرآن لفظ التسبيح ومشتقاته 92 مرة في 88 آية وقد فتحت 6 سور منه بتسبيح الله تعالى ولذا تسمى بالمسبحات الست وهي الجمعة، والتغابن، والصف، والحديد، والحشر، والأعلى، وكان رسول الله صلى الله عليه واله يتلوها كل ليلة.
ونشير الى أهمية التسبيح من خلال هذه الحقائق والقضايا:
1. يبين القرآن الكريم حقيقة ان كل ما في الكون من موجودات عاقلة أو غير عاقلة، صغيرة او كبيرة، حية أو فاقدة للحياة يسبح لله تعالى وقد جاء ذلك بتعبيرات مختلفة منها قوله تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) «الإسراء/44».
2. في آيات عديدة أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه واله بتسبيحه نذكر منها:
قوله تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ) «الحجر/97 ـ 98» وقوله تعالى: (إِذَا جَاء نَصْرُ الله وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) «النصر/1 ـ3».
3. الأمر الإلهي الموجه الى بعض الأنبياء عليهم السلام بتسبيح الله عز وجل او تسبيحهم لله تعالى نذكر منه قوله تعالى عما جرى للنبي موسى عليه السلام على جبل الطور: (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) «الأعراف/143».
وحينما طلب النبي موسى عليه السلام من ربه أن يجعل أخاه هارون وزيرا له ذكر التسبيح علة لذلك بقوله (وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا) «طه/29 ـ 33».
وتسبيح النبي عيسى عليه السلام عند اجابته على الخطاب الإلهي (وَإِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ الله قَالَ سُبْحَانَكَ) «المائدة/116».
وتسبيح الجبال والطير مع النبي داود عليه السلام (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ) «ص/18».
كان التسبيح وسيلة للنبي يونس عليه السلام للنجاة من بطن الحوت قال تعالى: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) «الصافات/144».
4. الأمر الإلهي لجميع المؤمنين بالتسبيح قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا الله ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) «الأحزاب/41 ـ 42».
وعدَّ القرآن في اية اخرى السجود لله وتسبيحه وعدم الاستكبار من علامات ايمان الإنسان بآيات الله حينما يذكر بها واثنى على المؤمنين الذين لا تلهيهم الدنيا عن ذكر الله وأداء الصلاة والزكاة ويخافون يوم القيامة ويسبحون الله باستمرار قال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) «النور/37».
4. إن الدعاء لأهل الجنة هو التسبيح قال تعالى: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ) «يونس/10».
6. آيات عديدة تتحدث عن تسبيح الملائكة لله تعالى نذكر منها قوله تعالى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) «غافر/7».

حقائق وقضايا مهمة:
1. يؤكد القرآن الكريم ان كل شيء في هذا الكون عاقلا كان او غير عاقل صغيرا أو كبيرا، ذا حياة او فاقدا للحياة يسبح لله عز وجل قال تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) «الإسراء/44»، عن هذه الحقيقة يقول العلامة الطباطبائي في تفسيره (الميزان) بأن التسبيح تنزيه قولي كلامي وحقيقة الكلام هو الكشف عما في الضمير بنوع من الإشارة اليه والدلالة عليه غير ان الإنسان لما لم يجد طريقا الى ارادة كل ما يريد الإشارة اليه من طريق التكوين التجأ الى استعمال الألفاظ وهي الأصوات الموضوعة للمعاني ودل بها على ما في ضميره، وفي الجملة فالذي يكشف به عن معنى مقصود هو قول وكلام وقيام الشيء بهذا الكشف قولٌ منه وتكليم وان لم يكن بصوت مقروع ولفظ موضوع وعد هذه الموجودات المشهورة في السماوات والأرض ومن فيها ما يكشف كشفا صريحا عن وحدانية ربها في ربوبيته ينزهه تعالى عن كل نقص وشين فهي تسبّح الله تعالى وذلك انها ليست لها في أنفسها الا محض الحاجة اليه في ذاتها وصفاتها وأحوالها، وكل من هذه الموجودات يكشف بحاجته في وجوده ونقصه في ذاته عن موجده الغني في وجوده التام الكامل في ذاته وينزه ربه عن الحاجة وبراءته من النقص ثم يقول بأن كل شيء كما يسبّحه تعالى كذلك يحمده بالثناء عليه بجميل صفاته وأفعاله.
ما ذكر تؤيده الروايات الشريفة المستفيضة الواردة عن طرق الشيعة والسنة ان للأشياء تسبيحات ومنها روايات تسبيح الحصى في كف رسول الله صلى الله عليه واله ومنها رواية عن الإمام الباقر عليه السلام: (نهى رسول الله ان توسم البهائم وان يضرب وجهها فإنها تسبح بحمد ربها) وعن الإمام الصادق عليه السلام: (ما من طير يصاد في بر أو بحر ولا شيء يصاد من الوحش الا بتضييعه التسبيح).
2. قد لا يصدق الإنسان ان الأصنام التي تعبد من دون الله وتقدس وتعظم ولا تملك لنفسها ضراً ولا نفعا ولا تنفع من يعبدها في الدنيا والآخرة هي ايضا تسبح الله سبحانه كما قال تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ) «الفرقان/17 ـ 18».
3. اننا لا نفهم تسبيح الأشياء لله تعالى لوجود الحجب بيننا وبينه، وبسبب اهتمامنا الكبير بالماديات في حين يخاطب القرآن الكريم النبي صلى الله عليه واله: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ) «النور/41». أي انه كان يشهد تسبيح الأشياء، وكان الحصى يسبح في كفه ويسمع الآخرين ببركته ذلك التسبيح.

تسبيح الزهراء عليها السلام
4. يعدّ تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام بعد كل صلاة بأن يقول المصلي (34 مرة الله اكبر، و33 مرة الحمد لله، و33 مرة سبحان الله) من أفضل صور التسبيح لله تعالى وقد أكد أهل البيت عليهم السلام على الالتزام به، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام (من سبح الله في ذكر الفريضة تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام المائة مرة واتبعها بلا إله الا الله غفر الله له) وعنه عليه السلام: (يا أبا هارون،: انا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة كما نأمرهم بالصلاة فالزمه فإنه لم يلزمه عبدٌ فشقي) وعن الإمام الباقر عليه السلام (ما عبد الله بشيء من التحميد افضل من تسبيح فاطمة عليها السلام ولو كان شيء افضل منه لنحله رسول الله صلى الله عليه واله فاطمة عليها السلام).

نشرت في الولاية العدد 87

مقالات ذات صله