النهضة الحسينية وطريق الإصلاح

النهضة-الحسينية

تحقيق: ضياء صادق السهلاوي

طريق الاصلاح الذي جاء به الامام الحسين(عليه السلام) في نهضته الخالدة ظلّ حيا في وجدان المسلمين بل الانسانية جمعاء، فمفرداته جاءت من صميم الحاجة البشرية، فضلاً عن إمكانية تعاطف الانسانية المجردة معه واستلهام الدروس والمعاني والعبر العظيمة التي يمكن أن تزيل الظلام في كل زمان ومكان.
كانت دعوته سلام الله تعالى عليه دعوة صريحة لا لبس فيها أو ضبابية، وهي مطلب فطري لا يمكن التفريط به أو الاستغناء عنه، فنحن اليوم بأمس الحاجة الى هذا النهج الفكري ذي البعد الوجداني ليغرس في نفوسنا مقدمات النصر على محاولات الإفساد التي لم تلبث أن تعود من جديد محاولة النخر في أُمّة الإسلام.

وللتعرف على هذا الطريق الاصلاحي الذي انتهجه سبط الرسول ابو الاحرار(عليه السلام) كان لمجلة الولاية لقاءات متعددة مع الاساتذة المختصين للوقوف على هذه النهضة وابعادها الحضارية:

حركة الإصلاح عند الإمام الحسين (عليه السلام)
يشير الشيخ احمد حسن الهادي (استاذ في جامعة المصطفى العالمية في بيروت) إلى الاصلاح الذي جاء به سيد الشهداء (عليه السلام) في نهضته قائلا: طرح الامام الحسين(عليه السلام) شعار الاصلاح في امة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد أن حل الفساد والخراب في هذه الامة على المستوى السياسي والاجتماعي وحتى في الامور الاقتصادية والمالية التي تمسك او تتحكم بمفاصل المجتمع فتحول المجتمع الاسلامي الى مجتمع طبقي، فضلاً عن طريقة الحكم بين المسلمين، ملك يتحكم بالعباد والبلاد دون ادنى مراعاة للقيم والاخلاق الاسلامية السامية، فجاء شعار الاصلاح لينطلق ويخلص المسلمين من هذا الجور الذي كانت تنتهكه دولة بني امية آنذاك.
واضاف: لقد كلف هذا الاصلاح في أمة محمد ثمنا كبيرا باستشهاد ريحانة رسول الله الامام الحسين (عليه السلام) من أجل رفعة الدين وعزه، وكسر قيود الفساد المستشري الذي نخر جسد هذه الامة الى العمق، فهذا الانحطاط والتدني والاستهانة بالدين والقيم النبيلة يحتاج الى هذا المستوى من التضحية العالية، وكل الاحداث التي جرت في يوم العاشر من المحرم في كربلاء تدخل في هذا السياق.. سياق الاصلاح.
ويؤكد الهادي: يوجد في عصرنا الحالي الكثير من المحطات المضيئة التي يمكن التعبير عنها بانها استمرار ونتاج طبيعي ومنطقي لحركة الامام الحسين الاصلاحية، ويمكن من خلالها ان نتقدم في هذا العالم ونؤمن مصالح الانسان ونؤمن العدالة للجميع، فهناك تنوع في موضوعات ومجالات الاصلاح في الجانب السياسي او العلمي او الفكري: في الادارة والتربية والجهاد، ولكن كلها اشراقات اصلاحية اذا صح التعبير بدأت في كربلاء ووصلت الينا وستستمر إلى ما شاء الله.

رسالة الحسين مسؤولية تاريخية لكل المصلحين
يرى الدكتور ادريس هاني (كاتب وباحث من المغرب في مجال الفكر العربي والتحليل السياسي) ان: رسالة الامام الحسين(عليه السلام) هي رسالة وثورة اصلاحية لم تنجز بعد، وظهر الشعار بأجندة وبمبادئ واضحة لكنها اصبحت مسؤولية تاريخية لكل المصلحين، فكأنه عليه السلام وضع اطارا يتحرك في كل مصلح، وبعد الواقعة انطلقت حركة الاصلاح، وانطلقت الممانعة ضد الاصلاح، وما زلنا نعيش عقدة هذه الرسالة، رسالة الاصلاح وكأن الامام الحسين (عليه السلام) ما زال مستمرا برفع هذا الشعار، وهذا تأكيد للمقولة الشهيرة المعروفة «كل يوم عاشوراء وكل ارض كربلاء» بمعنى أننا اذا اخذناه في المفهوم الاصلاحي فكل يوم يطرَح سؤال محدد: هل تحققت اهداف الامام الحسين في هذه الامة ام لا؟
وللجواب على هذا نقول: ان الحركة الاصلاحية لم تُنجز بعد، وما زال هناك الكثير من مطالب الاصلاح في هذه الامة، ومن ثمّ فقضية الحسين لن تموت، لانها مرتبطة بالاصلاح الذي لم يتحقق، وإن تحقق في جوانب معينة كحركة التحرر في العالم الذي لم يكن حرا، فأطلق صرخته المدوية: «ان كنتم لا تخافون المعاد فكونوا احرارا في دنياكم ان كنتم عربا كما تزعمون».

نهج سيد الشهداء نهج انساني متكامل
من جانبه تحدث الدكتور عادل زيادة (الاستاذ في جامعة القاهرة) عن هذا الموضوع قائلا: ان الدعوة التي جاء به الامام الحسين (عليه السلام) قد حققت مبتغاها، وهي ارساء كلمة الحق، والسير على خطى الاسلام الصحيح الذي سار عليه الانبياء والمصلحون في العالم، فكان نهج سيد الشهداء بحق نهجا نهضويا انسانيا متكاملاً.
ولننظر في الزيارة الاربعينية التي تجري في كربلاء كل عام وننعم النظر في الحشود المليونية للمسلمين الوافدين الى كربلاء بشكل يفوق العادة، فبالتأكيد ان أي منصف في العالم عندما ينظر الى هذه الملايين المقبلة للزيارة وهم يقطعون المئات من الكيلومترات ليجددوا العهد مع هذا الإمام، فإنه سيعرف ما حققه هذا الرجل الثائر ليس بين المسلمين فقط، وإنما للإنسانية جمعاء.

كيف استفادت الإنسانية من تضحيات الحسين؟
يقول الشيخ احمد الهادي: كل الحراك الجهادي الجاد في مواجهة اسرائيل وفي مواجهة التكفيريين سواء أكان في سوريا أو العراق أو أي مكان اخر تجد منبعه في الغالب من شخصية الإمام الحسين عليه السلام ونهضته المباركة، هذا الحراك القوي الذي أسس ركائز القوة والارادة والعزيمة عند كل هؤلاء المجاهدين مرتبط بـ(كربلاء، وعاشوراء الامام الحسين)، فالقضية الحسينية تجذرت في الكيان والوجدان، وبالفعل كانت هي المحرك الدائم لهذه المسيرة المعطاء فتضحي بأغلى ما عندها وهي النفس في سبيل الاصلاح والكرامة والعزة.
وأكد الدكتور زيادة في هذا المجال: ان الامة الاسلامية استفادت الكثير من هذه التضحيات الجسيمة للإمام الحسين عليه السلام والثلة المؤمنة التي استشهدت معه، حتى أصبح الامام الحسين رمزاً من رموز التضحية والفداء والبطولة، والتي على اساسها حفظ الاسلام وأقيمت اركانه.
القضية الحسينية وانعكاساتها
يقول الشيخ احمد الهادي: إن الكثير من الناس يحتاجون الى هذه الحركة الاحيائية في موضوع الارتباط الوجداني العقائدي الفكري باهل البيت (عليهم السلام) من خلال الامام الحسين وبوابة عاشوراء الكبيرة، ومن انعكاسات القضية الحسينية ان المجتمعات الاسلامية وغير الاسلامية استمدت من عاشوراء الشجاعة والتضحية والايثار والصبر المتمثل بالسيدة زينب وتحملها وثباتها على العهد عندما يقتضي الموقف ان تكون ثابتة في حزنها وتعابيرها العاطفية، كما تجسدت القيم في عاشوراء مع الاطفال والشباب والشيوخ وحتى النساء.
واضاف الهادي بقوله: من خلال عاشوراء تفهم معاني تضحية ابي الفضل العباس وهذا الايثار العالي وهذه العلاقة القوية مع إمام زمانه التي تحولت إلى أسمى معاني الاخلاص والإيثار، والارتباط بابي عبد الله الحسين والاطفال والنساء. هذه المواقف والصفات النبيلة لا تجدها في نهضة اخرى أو في مكان اخر من هذا العالم.
من جانبه يرى الدكتور عادل زيادة: ان الحسين ونهضته المباركة قضية رأي او فكر للعقلاء وخاصة المؤمنين العقلاء الذين ينظرون الى هذه القضية نظرة الشجاعة والبطولة لسبط رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هذه البطولة التي تنم عن معانٍ نبيلة سطرها ابو الشهداء واصحابه، فأصبح لصداها الواسع استجابة في المجتمعات الاسلامية في تلك الفترة، وبقي هذا الصدى مستمراً كرمز للبطولة والاستشهاد في سبيل اعلاء كلمة الحق وتثبيت دين الله تعالى، بل حتى في المجتمعات غير الاسلامية فأغلبهم يعرفون من هو الحسين وما هي بطولاته ويعرفون أسباب استشهاده في كربلاء ويعدّونه رمزا للإنسانية جمعاء.

ashura_9_20070724_1517177471

صدى عاشوراء في العالم
يقول الهادي: ان لعاشوراء ميزة خاصة في كل العالم، وفي لبنان على وجه الخصوص، فنجد الحشود الموالية وهي تملأ الحسينيات والمساجد لاقامة مجالس الذكر والوعظ والإرشاد وقراءة مصاب الامام (عليه السلام) وعزائه، كما ان هناك عدداً كبيراً من الخطباء والمبلغين يحيي هذه الشعيرة كل ليلة بطريقته الخاصة، ونرى الكثير من المؤمنين وهم يعدون ولائم الطعام لتوزع على هذه الحشود، بل حتى إن هذه الشعائر بدأت تقام بين الأطفال واصبح عندهم قراء متخصصون بنفس أعمارهم على مدار الايام العشرة الاولى. اما في اليوم العاشر من شهر المحرم فإن الحشود الكبيرة تخرج في مسيرات كبيرة فضلاً عن تمثيل واقعة كربلاء ونحو ذلك.
وعن عاشوراء في مصر يتحدث الدكتور عادل زيادة قائلاً: ان عاشوراء في مصر واليوم التاسع والعاشر من شهر المحرم على وجه الخصوص له ميزة خاصة عند المصريين، فالمسلمون في مصر يهتمون بهذا اليوم، ويستذكرون شهادة سبط رسول الله(صلى الله عليه وآله) وموقف السيدة زينب بنت امير المؤمنين(عليها السلام) والحرص على زيارة مشاهدهم، ففي القاهرة القديمة او ما تسمى بقاهرة الفاطميين يوجد مشهد الامام الحسين (عليه السلام) او ما يسمى في اللهجة المصرية بـ(سِيدنا الحسين) يتجمع فيه المسلمون، وقد تصل حشود الزائرين في مشهد الامام الحسين الى مليوني زائر في كل عام، وهذا إن دل فإنما يدل على عشق المصريين لاهل البيت.
من جانبه يقول الدكتور ادريس هاني: هناك اختلافات في موضوع المراسيم الحسينية، وللأسف الشديد فالموضوع خرج من وضعه التاريخي الواعي الى مجال السسيوثقافي، بمعنى أنه اصبح هناك الدين الاجتماعي والثقافي، فنرى المجتمع المغربي يحتفل في حادثة تاريخية معينة كعرف اجتماعي، فنرى بعضهم يفرحون وبعضهم الاخر يحزنون، والقسم الفرح يرون ان الموضوع مرتبط بأنبياء الله تعالى، وليس مرتبطاً بقضية الإمام الحسين عليه السلام وشهادته، لكن النتيجة أنها تمارس الطقوس بلا وعي، اما بالنسبة لمراسيم عاشوراء الحقيقية فإنها تقام اكراما لسبط الرسول الامام الحسين (عليه السلام) لكن بمحدودية.

كلمة أخيرة
يقول الشيخ احمد الهادي في ختام حديثه: يوجد عنصر مهم في علاقتنا بالامام الحسين عليه السلام يجب الحفاظ عليه وتعليمه لابنائها ولكل الاجيال، هو الارتباط الوجداني العاطفي الحار جدا بالامام الحسين عليه السلام وبقضيته الخالدة، فيجب ان نحافظ عليه ونقول للعالم هذا هو الامام الحسين، ونقوم بكل هذه المراسيم العاشورائية، فنشارك في مجالس العزاء الحسيني ونلبس السواد ونخدم الزوار الوافدين، فكل هذه العناصر مجتمعة تسهم في خدمة هذا الهدف النبيل، وهذه هي العلاقة الوجدانية الروحية العالية جدا بالامام الحسين وبقضيته الخالدة.
بينما يقول الدكتور زيادة في ختام حديثه: قضية الإمام الحسين (عليه السلام) هي من اشهر قضايا العصر الاسلامي بصفة عامة، وحينما يذكرها المسلمون في أي مكان لا بد ان يتوحدوا ويتعظوا بما فعله الإمام الحسين عليه السلام من اجل الاسلام، التضحية بالنفس والأهل في سبيل رفعة كلمة الاسلام والحفاظ على الكيان الاسلامي فلن تحدث بعد ذلك الحروب أو الفتن بين المسلمين، ولكن للأسف الشديد نحن نعيش في جهل تام وفي بعد عن الاسلام وقرآنه الكريم عندما يقول جل وعلا: (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا).

نشرت في الولاية العدد 87

 

مقالات ذات صله