تربية الصوت وتدريبه

quran23_l

احمد جاسم النجفي

إن تربية الصوت تعني كيفية اكتساب الخبرة والدراية والمعرفة العلمية لتطويع الصوت البشري إلى حروف ومقاطع وكلمات وعبارات وجمل تتجسد فيها روح الإبداع والتأثير،  وتؤدى بأساليب فنية متنوعة لا تخلو من تأثيرات جمالية أخّاذة باهرة، فأساس التدريبات للصوت تعتمد على جهاز تنفسي وصوتي سليم وأذن موسيقية حساسة وذاكرة لحنية وإيقاعية ونطق صحيح لمخارج الحروف.

وتختلف قدرة المجودين في التلاوة ذات الأداء السليم، فبينما نجد بعضهم يستجيب لمحاكاة الأنغام بصورة طبيعية من دون مشقة، نجد بعضهم الآخر لا يستطيع أن يؤدي ما يسمع من أنغام أداءً صحيحاً، وترجع عدم قدرتهم على ذلك إلى أحدى الأسباب الآتية:

1. أسباب فسيولوجية :
قد يرجع عدم قدرة القراء على الأداء السليم إلى ضعف في حاسة السمع أو ضعف جسمي ناتج عن سوء التغذية، أو قد تكون بسب خلل أصاب الجهاز العصبي، كما إن التغيير الذي يطرأ على الحنجرة في سن البلوغ وبخاصة في حالة الذكور قد يؤدي إلى فقدان القدرة على الأداء السليم.

2. أسباب نفسية:
وهناك بعض الأسباب النفسية التي قد تؤدي إلى عدم القدرة على الأداء السليم كعدم الثقة بالنفس أو الخجل وغيرها.

3- صعوبات فنية:
وقد يرجع قصور المؤدين (المجودين) عن المحاكاة للأنغام لعدم معرفتهم بالأصول الفنية لأداء الأنغام (المقامات)، وذلك لإهمالهم ممارستها أو عدم متابعة إرشادات المختصين، وعدم إخضاعهم لدراسة علمية صحيحة.
إن تربية الصوت لا تكتمل إلا من خلال تربية السمع من قبل، فإن لم يكن للمتعلم (المؤدي) سمع قوي مدرب فلا يمكنه الأداء بشكل سليم، أي تدريب صوته ليكون طوع الأذن في أداء النغم المسموع، ومصداق ما نقول أن القرآن الكريم يقدم السمع على البصر, كما في قوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا)(الإنسان: 2) فالاستماع هو تركيز الانتباه على الأصوات التي تلتقطها الأذن والتفاعل مع هذه الأصوات فهما وتحليلا ونقدا وتذوقا.
ومن هنا تأتي تربية الأذن وتقوية حساسيتها الموسيقية عن طريق الإصغاء الجيد، وتربية السمع هي (فرع من فروع التعليم الموسيقي الذي يختص بتدريب الأذن، الذي يهدف إلى إدراك العناصر التي تكون جوهر الموسيقى وعلاقتها مع بعضها مثل الزمن والعلاقة والإيقاعية، وعلاقة الطبقات الصوتية المنفردة والمركبة، والتنغيم – المقامات).
فالمستمع الجيد هو مؤدٍّ جيد والعكس صحيح، ويؤكد الغزالي «إن الذوق في الاستماع هو تواتره لدى المستمع، فمن لم يكن له ذوق الاستماع فالاشتغال به اشتغال بما لا يعنيه».
(فإن الاستماع ذو قيمة حقيقية، فهو استخدام فعال للعقل والخيال لمتابعة الأفكار التي تعبر عنها حركة الألحان والاستجابة لها، وحالات الاستماع الهادئ تختلف وتتنوع، فيجب أن يخصص للمجودين بعض الوقت للاستماع، وأكثر الأوقات للاستماع هي المدة التي تعقب التمرينات الرياضية والإحماء، اي عندما يشعر المتدرب بالحاجة الى الاستراخاء بشكل مكرر لمرات عدة، لان الإدراك ينمو عن طريق الألفة والتعود، ويراعى أن يكون الاستماع في الأقل مرتين أو ثلاثاً بانتظام، أو يأتي التدريب على الاستماع من خلال الإنصات للقارئ المفضّل لدى المتعلم الذي يجد في نفسه القدرة على تقليده أو القراءة معه في أثناء الاستماع.
ومن الجدير بالذكر أن الفرق بين السمع –Hearing والإنصات –Listening هو أن الأول يعني مجرد تحسس حاسة السمع للصوت، أما الثاني فهو عملية انتباه لما تسمعه هذه الحاسة.
والإنصات والاستماع بإصغاء وتمعن هو مبتغانا في هذا المقام، لذا فإن الأذن المدربة تدريبا علميا خاضعا لضوابط فنية يضعها المختصون في مجال تربية السمع، تساعد القارئ على التمييز بين نغم وآخر وطبقة صوتية وأخرى, وإفراز ما هو ناشز بينهما.

نشرت في الولاية عدد 88

مقالات ذات صله