هجرة الشباب.. بين اللاشرعية والواقع الطارد

2015-09-17t114401z_529425962_gf10000209341_rtrmadp_3_europe-migrants-greece_0

تحقيق: شاكر حيدر

عانى العراقيون على مر التاريخ من أزمات وضنك عيش وطغيان سلطوي تارة واستعمار مستبد متسلط تارة أخرى مما دفع بعض الناس وعلى الخصوص أتباع منهج آل بيت النبوة صلوات الله عليهم أجمعين الى البحث عن اماكن أخرى غير أوطانهم يحفظون بها حياتهم أو ينشدون تحقيق حلم لم يكن متيسرا تحقيقه فيها.
وقد حصلت الهجرة في حقب متقدمة أخرى بشكل قسري من السلطة الحاكمة كما في عهد حكم البعث الصدامي الذي استهدف شيعة اهل البيت، وكانت هجرة قسرية لشرائح واسعة من المجتمع العراقي ما زلنا نعيش تداعياتها الى يومنا هذا.
لكن عدا هذا وهو ما تحقق من اندفاع كبير من شبابنا نحو أقطار الأرض و بالأخص الغرب في هذه الأيام وفي ظرف حساس وخطير يمر به العراق فيضعنا امام تساؤلات عدة عن اسباب ونتائج هذه الموجة التي لم يسبق لها مثيل، لا من الداخل ولا من الخارج المتلقي لهؤلاء المهاجرين، وخلال جولة مجلة الولاية على بعض الباحثين وأصحاب الرأي استقينا بعض تحليلاتهم إزاء هذه والظاهرة التي عدها أغلبهم انكسارا آخرا في بنية المجتمع العراقي وخسارة فادحة في الطاقات البشرية الفاعلة في بلد هو أحوج ما يكون الى مثل هذه الثروة النفيسة وهو يخوض في بحر التضحيات للدفاع عن العقيدة والوطن والعرض.

خطورة الحدث وتصدي المرجعية
ضمن محطات جولتنا لاستقراء وبحث مسببات هذه الهجرة وتوقيتاتها المريبة لا سيما ان العراقيين يخوضون معارك على جبهات عدة لحفظ سيادة الوطن ووحدته واخرى ضد الفساد وبؤره التي استشرت في كل مفاصل الدولة وثالثة لتحسين الوضع المعاشي والخدمي الذي بات عسيرا فيقول بهذا الصدد الاستاذ أحمد عطشان عبد الله مدير ادارة قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العلوية: لا شك ان تردي الأوضاع على جميع المستويات والقطاعات فضلا عن الهجمة الشرسة لأعداء العراق وأمنه الذي تجاوز المحك فبات يهدد الجميع فضلا عن الفساد الذي يشل اجهزة الدولة ويعطل مفاصلها وأي مشروع لتحسين الواقع وهو أمر انبرت له المرجعية الدينية بشكل واضح ومباشر لعظم خطره والتداعيات التي يمكن ان تحدث لو استمرت الأوضاع على ما هي عليه.
وحول الاسباب الرئيسة للهجرة اشار الاستاذ عطشان قائلا: لقد اصيب المجتمع العراقي بالاحباط الشديد حتى وصلت الامور لحد اليأس من بعض الناس فكان قرارهم الهروب من الواقع الى آخر افضل متحملين المخاطرة بالارواح وخسارة الاموال والغربة عن الوطن.

الفشل الحكومي سبب اساسي
الاستاذ حسين العباسي مدير مؤسسة العطار الثقافية أكد في معرض حديثه حول أسباب نشوء هذه الأزمة وتداعياتها قائلا: ان ظاهرة هجرة الشباب لم تأت من العدم وان لها مسببات من ضمنها الفشل الحكومي في تأمين حياة سعيدة لهؤلاء الشباب بايجاد فرصة عمل لضمان عيش كريم فاصبحت التعيينات ـ مثلا ـ من ضمن المحسوبيات والحزبية فوصلوا الى قناعة ان الحل الوحيد للهروب من الواقع هو ان يهاجروا ويتركوا بلدهم، ومما لاشك فيه ان هذه الهجرة تفرغ البلد من طاقاته ومن العقول ويجب على الحكومة ان تجد حلولا سريعة لذلك.

fotonoticia_20150828214225_1280

الموقف الانساني الغربي ..مؤامرة
وبيّن العباسي ان موقف الدول الغربية التي هاجر اليها شبابنا يرتكز على قاعدة ان الدول تؤمن اولا وقبل كل شيء بمصالحها، فهي لا تتعاطى مع القضايا عاطفيا بل انها تفكر بالعقل فقط، وبالنسبة لأوربا فقد استفادت من هذا الموضوع من خلال اضفاء صبغة انسانية الطابع تعطي انطباعا للعالم بانها مشاركة لمعاناة المهاجرين فآوتهم، وفي الحقيقة هي قد افادت من ايدي عاملة زهيدة لم تكلفها بنسا واحدا لتنميتها وتنشئتها وتعليمها، فقد تدفق للقارة العجوز دم شاب جديد وهم العمال والصناع والعقول، وهذا مورد بشري يستخدم بابخس الاثمان فضلا عن تحقيق هدفها الأبعد والأهم في منطقة الشرق الاوسط بافراغ العراق وسوريا من موردها البشري، فالخاسر الوحيد هو العراق ودول المواجهة مع العدو في هذه القضية.
واوضح العباسي مرتكزات هذه الهجمة النوعية واهدافها الاستراتيجية وأساليبها بطرح مبدأ ان الغرب يبحث عن نقطة الضعف عندك ليستغلها لصالحه في مشروعه المتواصل لنهب الثروات من الدول الضعيفة المتخلفة بشكل عام، وعندنا فقد استغلت تفشي البطالة والفساد المالي وتردي الخدمات وفقدان الأمن وغيرها من الأمراض الاقتصادية والاجتماعية الميؤوس من معالجتها في القريب العاجل، ومبدأ آخر ينصب على تفريغ العراق وسوريا وفلسطين من الشباب لما وجدوا منهم من مقارعة للاحتلال.

الانبهار بالغرب حافز آخر
فيما تحدث الشيخ الدكتور علي الفياض الباحث في وحدة المهدوية بالعتبة العلوية المقدسة قائلا: لا شك ان ظاهرة الهجرة هذه تعد ظاهرة سلبية تخلو من خصوصية الايجاب التي أمر بها الله تعالى في بعض المواضع للحفاظ على الدين وقيمه العليا وبخاصة في الوضع الراهن الذي يمر به البلد، فهناك تهديد خارجي من قبل الدواعش واعداء اهل البيت عليهم السلام على العراق وهناك ايضا تهديد داخلي وهو ضعف اداء الحكومة ولعل هذا احد الاسباب المهمة التي تدعو الشباب الذين عندهم طموح لتحقيق رغباتهم وما شاكل ذلك للهجرة الى خارج بلدهم، فضلا عن اسباب نفسية بسبب الإعلام الغربي الموجّه، فبعضهم لديه انبهار بالحضارة الغربية، قانعا بيسر الحصول على سكن ورغد عيش متيسر فيه كل وسائل الراحة والامان مما يجعله مشدودا للعيش في ظل تلك الأجواء متناسيا الانحلال الاخلاقي وهذا شيء خطير بالنسبة لانسان تحتل قضية الاخلاق والعقيدة مكانة مهمة جدا بالنسبة له، اذا ما علمنا ان العراق لا زال محافظا على اخلاقه وقيمه سواء كانت دوافع المحافظة على الاخلاق دينية او دوافع تقاليدية او عشائرية.
وبين الفياض ان الحكم الاسلامي يؤكد انه اذا لم يستطع الانسان المحافظة على دينه خارج بلده فيحرم عليه الخوض في هكذا ضياع للدين ويصطلح عليه التعرب بعد الهجرة، فهذه الهجرة محرمة وينبغي عليه ان يستفتي رجال الدين لان الهجرة لها عناوين كثيرة.

الحشد المقدس وتداعيات الهجرة
وبين الفياض في معرض كلامه حول تداعيات الهجرة: ان هذا الذي يقاتل في الحشد الشعبي اذا ما رأى ان شبابا كثيرين ليس لديهم حرص على الوطن ولا على العرض ولا يفكرون بذلك فلا تهمهم سوى راحتهم النفسية فلعل هذا قد يسبب له شيئا من الضعف وعدم الاندفاع وهذا شيء خطر جداً ونحن نقف ازاء تحد وجودي خطير.
وأكد في سياق هذا التحقيق الدكتور السيد حسين الشريفي/المركز الفاطمي للدراسات والموارد البشرية: ان هجرة الشباب شكلت انعطافا تاريخيا، فلربما نحتاج الى شيء من التأمل والتفكير في مسألة هجرة الشباب ومن المسؤول عن هذه الهجرة لأن هناك بعض المستجدات التي ظهرت على السطح اشتركت بها دول لربما تفوق التصور الاستراتيجي الموجود في العراق، وحكام السلطة هم من ساهموا في هذه القضية بحيث فتحوا كثير من الابواب للترغيب بهجرة الشباب، هذه القضية لربما يحتاج الانسان الى وقفة تأمل عن هذه المسؤولية لا سيما ان هجرة الشباب تتجه الى البلدان الاوربية وهناك بلدان اسلامية لربما تستطيع ان تفتح ابوابها وبلدان عربية ولكن هذه الاستراتيجية وضعت وخطط لها بحيث كان هنالك ترغيب للشباب، مبينا ان الغرض منها افراغ بلداننا من الطاقات والعقول الشبابية ذلك البعد المستقبلي الاستراتيجي الحاسم للتطور والنمو.
وأشار الشريفي الى نقطة غاية في الأهمية في غضون معارك الجهاد التي يخوضها العراقيون ومسلمون غيرهم في بقاع أخرى قائلا: «لا أستبعد بل أكاد أجزم ان هذه المؤامرة رسمت وفق استراتيجيات بعيدة المدى وضعت من قبل الدوائر الاستعمارية الكبيرة التي تخطط لتهديم هذا البلد وتجزئته، قد حيكت لاضعاف دور الحشد الشعبي في الدفاع عن وطنه من خلال هجرة الشباب فضلا عن كونها احباطا في العزيمة التي كان لها الاثر البالغ في مسألة التصدي لداعش، وهو أمر افصح عنه الشيخ الفياض ومتحدثون آخرون أكدوه في هذا التحقيق».

ازمة ثقة بالحكومة واصلاحاتها
يرى الاعلامي حسين العابدي/مقدم برامج في اذاعة العتبة العلوية: ان من اسباب الهجرة هذه هو تزاحم الضغوطات على الشعب العراقي من اجواء حرب وارهاب يفتك بالناس فضلا عن الحرمان من امور كثيرة يفتقدها الشعب العراقي وهذه الهجرة انما هي محاولة لتعويض هذا النقص الذي طرأ في حياته، فالسفر لبلد اوربي قد يمنحه احتياجاته وسيؤمن على حياته ومستقبله نتيجة للخلفيات الموجودة في ذهنه من ان الغرب يوفر كل شيء للشاب من سكن ودراسة ورغبات اخرى يحتاجها، فأجد ان السبب الرئيس للهجرة هو محاولة لتحسين الحياة بواقع افضل واكثر يسرا وأمانا وهو أمر لم تسع له الدولة نهائيا، فهي لم تجد له اي حل لحد هذه اللحظة للحد من هذه الهجرة.
ويرى العابدي ان من الأسباب الرئيسة للهجرة هو عدم الثقة بالحكومات الموجودة والسابقة لإيجاد حل لأزمات المجتمع التي تضخمت واصبحت مزمنة بسببها، فبقي المواطن محبطا يتوقع انه بعد كل حكومة ستأتي بها الانتخابات سيكون الوضع اسوأ.
وأشار العابدي الى ان قيم الوطنية والتضحية انحسرت من خلال بعض وسائل التطور التكنلوجي الموجودة حاليا فغسلت اذهان الشباب من خلال شبكات الانترنت والتلفزيون التي عرضت عالما خياليا جميلا في المجتمعات الغربية والتي سوغت للشاب الهجرة وعدم البقاء في بلد لا تجد استقرارا فيه، فهناك هجمة اعلانية ما كانت موجودة سابقا تحققت بانتشار وسائل التواصل الاجتماعي كالموبايل والانترنت فكثير من المواقع تجعل الشاب يهاجر بفكره قبل جسده. فيتم من خلال غسل الادمغة الى تفريغ العراق من كل القيم التي تربط هذا الشاب ببلده من خلال الحرب الاعلامية الناعمة التي وجهت له.

3FFF93B7-A124-4217-BF38-F9A220E5ACEA_mw1024_mh1024_s
الحل سراب في نهاية نفق
وفي محور امكانية وضع حلول لهذه المعضلة التي ضربت بأطنابها الطاقات الشبابية في البلاد أوضح حسين العباسي ضمن تعرضه لاحتواء هذه الأزمة من قبل الحكومة في انها في الوقت الحالي غير قادرة على وضع حل سريع بسبب معاناة الحكومة حاليا من عجز مالي ومن تداعيات امنية فهي تخوض حربا ضد داعش فضلا عن صراع الدول المحيطة بالعراق فالكل يحاربه.
فيما بين احمد عطشان ان الحل بيد الحكومات لأن المرجعية الدينية التي تنبري دائما للإصلاح ليس لديها سلطة تنفيذية، فتقوم بتشييد المعامل والمشاريع وتقديم الخدمات، وحتما فان المرجعية تتجه نحو الصالح العام الذي يكون فيه الشباب موجودين ولديهم عمل ووضع اجتماعي جيد، فمن المؤكد ان المرجعية ضد خروج وهجرة الشباب الذي سيؤدي الى ضياع المبادئ والقيم الروحية الاسلامية.

الخروج من عنق الزجاجة
وأضاف عطشان ان من الحلول الناجعة التي تقع على عاتق المرجعية تتم من خلال تكثيف خطاباتها بالتوجيه على عدم هجرة الشباب فهناك وازع للشباب بتقبل رأي المرجعية، والامر المهم الثاني في البحث عن الحلول يكمن عند الحكومة نفسها والتي يجب ان توفر فرص عمل وظروف تليق بانسانية الفرد وتلبي طموحاته وتمنحه الثقة بالحكومة لكي يستطيع الصبر على تنفيذ الوعود فليس كل الحلول متاحة ومن الممكن تحقيقها في وقت قريب.
وأشار الشيخ علي الفياض في محور وضع الحلول للحد من هذه الظاهرة قائلا: ان الحل يكمن في اكثر من محور، الاول يقع على الدولة للحد من هذه الظاهرة فهذه مسؤوليتها فتبدأ بتحسين الخدمات وتقييد الهجرة، وهنا وفي هذه النقطة بالتحديد قد لا تستطيع ذلك باعتبار ان النظام ديمقراطي وهذا النظام له مساوئ كثيرة كما نعلم، القضية الثانية قضية الاعلام فالاعلام الديني وبخاصة المنبر الحسيني، ونحن في شهر المحرم… فمن الممكن للخطباء ان يبينوا اضرار هذه الظاهرة من خلال تبيان المساوئ كما في قضية ظاهرة المخدرات، ولا قياس مع الفارق، علما ان وسائل الاعلام لا نرى فيها اي تسليط للضوء على مساوئ الهجرة.. فبرامج الفضائيات ليست بالمستوى المطلوب.
ويضع العابدي الحل الأمثل للحد من هذه الهجرة في العامل الاقتصادي بالدرجة الاولى فضلا عن توفير الأمان وتعزيز الثقة بايجاد حكومة قوية تستطيع ان تلبي حاجات المجتمع وتقضي على الفساد المستشري.
فيما أطر حسين الشريفي حلول هذه المعضلة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية قائلا: انا لا اشك ان حكام السلطة هم من اوصلوا البلد الى هذا المكان المخيف والحلول لا يمكن ان تتحقق الا بتغيير دستور الدولة ونظامها لأن ثلاثة عشر عاما مرت لحد الآن في هذا النظام الجديد ولم تطبق او تطرح الحكومة العراقية اي برنامج اصلاحي، وحتى ان البرنامج الاخير الذي طرحه رئيس الوزراء حيدر العبادي كان حبرا على ورق وهذه التظاهرات لا تزال مستمرة والشباب العراقيون يحملون في نفوسهم بعض الالم بسبب عدم توفير أبسط المسائل وهي الخدمات الأساسية للمواطن العراقي كالكهرباء الذي لم يتحقق فيه أي تقدم يذكر رغم المليارات من الدولارات التي صرفت على هذا القطاع فضلا عن ان هناك امورا استراتيجية للشباب فيما يخص الجامعات العراقية ووسائل العيش الكريم أخذت تتراجع بدلا من ان تنجزها الأموال الطائلة التي انفقتها الحكومة العراقية خلال السنوات الثلاثة عشر.

نشرت في الولاية العدد 89

مقالات ذات صله