محمد الخالدي
لاشك في أنّ مدينة النجف الأشرف من المدن العراقية العربية الأصيلة التي تميزت بتاريخها وتراثها الثقافي والمعرفي في مختلف مراحل عصورها, وكان لحوزتها الشريفة دور كبير في نشر علوم وفكر وتراث أهل البيت(عليهم السلام),فضلا عن دور أدبائها وكتّابها ومفكريها وفنانيها في رفد الحركة الثقافية العربية والإسلامية بمختلف الآداب والفنون.
لقد تمتعت مدينة النجف الأشرف بوشائج وصلات ثقافية ومعرفية مع بغداد (حاضرة الدنيا) على امتداد تاريخها, فضلا عن مدن عراقية أخرى جمعتها بالنجف الأشرف ذات الصلات والوشائج كالحلة الفيحاء, وسوق الشيوخ وغيرهما. هذا عن تاريخها الضارب في العمق. أما في عصرها الحديث فلم يزل لهذه المدينة ذات الدور المهم والكبير في رفد الساحة الثقافية العراقية والعربية بعدد كبير من الرموز الأدبية والفكرية, والذين أسهموا في نهضة الفكر والثقافة.
فقد احتضنت النجف الأشرف, أول جمعية أدبية في عام 1932م, وقد اطلق على تلك الجمعية في حينها,(جمعية الرابطة العلمية الأدبية),وكان في طليعة مؤسسيها محمود الحبوبي وعبد الوهاب الصافي وعبد الرزاق محيي الدين وصالح الجعفري والشيخ محمد علي اليعقوبي, كما ضمت محمد علي البلاغي ومحمد الخليلي وعبد المنعم الفرطوسي وغيرهم.
وقد بارك الجواهري الكبير, هذه الجمعية وخصها ببعض الابيات الشعرية بعد مرور سنة على تأسيسها, فقال مخاطبا مؤسسيها:
نهضـتم بها جمعية يــرتجى لهـا هـــدى كــتلة فيــما تحــاول خابطة
عسى أن تنيروا للشباب طريقهم وأن تنعشوا روحاً من اليأس قانطة
إذا فـشلتْ كـلّ الــروابـط بيــننا فـــرابـطـة الآداب أمــتن رابــــطـة
وقد أصبحت هذه الجمعية – التي تعد أول جمعية ثقافية فكرية في العراق- ذات شأن كبير بعد أن استقطبت أدباء ومفكرين من مختلف الميول والاتجاهات والذين أسهموا بعطائهم الثر في تنشيط الحركة الفكرية والأدبية في هذه المدينة, وقد استمرت هذه الجمعية بنشاطاتها لعقود متواصلة من الزمان, ثم توقفت, وكان آخر معتمد لها الشاعر الراحل محمد حسين المحتصر, إذ أنبثق بعد ذلك اتحاد الأدباء والكتّاب في النجف الأشرف, والذي تأسس في سنة 1985م, وقد استطاع هذا الاتحاد أن يكون الوريث الشرعي لتلك الرابطة, ولجميع الجمعيات الصغيرة التي ظهرت في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
وما زال هذا الاتحاد – إلى الآن – متواصلا بعطائه الكبير, فضلا عن جهوده الواضحة في مد جسور التعاون والتواصل مع المؤسسات الأدبية في العراق ليعبر خير تعبير عن هوية مدينة النجف الأشرف.
نشرت في الولاية العدد 96