كلاش اوف كلانس

     محمد العلوي

دن دن دآن..
تلك الموسيقى التي تسمعها في كل مكان تذهب اليه وكل مجلس تجلس في مقر العمل وفي الشارع وعند زيارة الاقارب وهي الموسيقى المميزة لفتح الكترونية تسمى (كلاش اوف كلانس Clash of Clans) وتعني حرب القبائل وقد اصحبت هذه اللعبة ظاهرة مستحكمة لدى الكبار والصغار لما تملكه من جاذبية تجر اللاعب الى الادمان عليها لدرجة تثير العجب..

لعبة (كلاش اوف كلانس) من صنف الألعاب التي تسمى استراتيجية تلعب مباشرة على شبكة الانترنت (اون لاين) وتعطي للعب امكانية ادارة مدينة وهمية اذ يعطي مساحة من الأرض يبني عليها مجموعة من الابنية منها بنايات للخزن وبنايات للتدريب وحصون للدفاع ويمنح اللاعب ايضا موارد مجانية تأتيه مع الوقت تتيح له تطوير حصونه لصد الغزوات المحتملة وفي الوقت نفسه اضافة الجنود لتطوير قوته الهجومية مما يسمح له غزو مدن بلاعبين اخرين مشاركين باللعبة عبر الانترنت ايضا لنهب ما يمتلكونه من موارد تساعده على تطوير مدينته الخاصة اكثر واكثر.
وتمنح اللعبة القاباً للاعب بحسب النقاط التي حازها في اللعبة وهي على التوالي:
الدرجة البرونزية، الدرجة الفضية، الدرجة الذهبية، الدرجة الكرستالية، الدرجة الماستر، درجة البطل.
امتازت الدعاية لهذه اللعبة منذ البداية باعلانات مبهرة وبطريقة كوميدية مبهجة ثم ارتبطت مجموعة من اعلاناتها باداء ممثلين امريكان مشهورين يتقاضون اعلى الاجور في ادوارهم السينمائية وذلك يدل على مقدار الارباح الهائلة التي تستدرها الشركة من هذه اللعبة عالميا.
العاب مشابهة:
لا تمثل لعبة (كلاش اوف كلانس) ابتكارا جديدا فقد سبقتها العاب استراتيجية مشابهة تلعب على شبكة الانترنت ايضا مثل لعبة (المزرعة السعيدة) التي تشبه في تكوينها البرمجي هذه اللعة لكن (كلاش اوف كلانس) تتفوق عليها من ناحية الرسوم والاصوات.
ومع ان هنالك لعبة شبيهة اخرى هي (وور كرافت) تتفوق من ناحية الرسوم على لعبة كلاش اوف كلانس الا ان مؤثراتها البصرية عالية تجعلها ثقيلة التحميل على الانترنت مما يعطي كلاش اوف كلانس تفوقا عليها اذ ان هذه الاخيرة خفيفة التحميل الى درجة انه يمكن اللعب بها عبر انترنت شريحة الهاتف المحمول فقط.
كما ان هنالك ميزة اضافية مهمة جدا في لعبة كلاش اوف كلانس وهي امكانية التواصل المباشر بين اللاعبين وذلك بواسطة نافذة للتحاور داخل اللعبة مشابهة لنافذة (الشات في التلكرام والفيس بوك) مما يزيد متعة اللاعب بالتعرف على من يريد التحالف معهم وتبادل الموارد وخطط الهجوم على لاعبين اخرين ويفتح مساحة واسعة للشباب والشابات للتعارف وتبادل الحديث وتكوين العلاقات بحجة ممارسة هذه اللعبة.
وهم القيادة والانتصار؟
كما ذكرنا سابقا تتيح كلاش اوف كلانس امكانية تشكيل التحالفات مع مجموعة لاعبين لمحاربة لاعبين اخرين ثم توزيع الغنائم بعد الانتصار مما يعطي شعورا وهميا للقيادة الناجحة والموهبة الفذة وذلك من اكثر عناصر الجذب المميزة في هذه اللعبة.
وحتى يتمكن اللاعب من ان يحتل مركزا مهما في اللعبة يتيح له عقد التحالفات ومساندة حلفائه لتحقيق انتصاراته الوهمية لا بد من ان يسعى الى تطوير مدينته بحيث يجعلها محصنة من اي غزو يقضي عليها وهذا التطوير يأخذ منه وقتا يقارب ستة اشهر من البناء والهجوم الحصول على الموارد.
لكنَّ منتجي الشركة اعطوا مكانية اختصار هذه المدة الطويلة بدقائق وذلك من خلال ما يسمى ببيع الجواهر التي تسمح بتطوير القرية بسرعة مذهلة وفي البدء تمنح الشركة المجهزة للعبة (كلاش اوف كلانس) مجموعة قليلة من الجواهر للاعب الجديد واذا رغب بالمزيد فعليه ان يشتريها بأموال حقيقية فبعد ان يحول الاموال لحساب الشركة عبر (الفيزا كارت) ترسل الشركة اليه مجموعة من الجواهر الوهمية عبر الانترنت ليطور مدينته وبذلك تحقق الشركة ارباحا خيالية من بيعها جواهر وهمية لمشتركيها حول العالم.
تلقين مستمر:
يمتلك المشارك الجديد للعبة في بداية الامر حب الاطلاع والفضول فماذا بعد هذا التطوير.. وماذا لو اضاف هؤلاء الجنود .. وماذا لو استخدم هذه البناية؟ ينمو لديه شيئا فشيئا حب التملك والاستزادة لتوسيع مدينته ثم يدفعه الى ذلك محاولة الهجوم على قرى اخرى لكسب المزيد من الموارد والنقاط لزيادة التوسع ثم ينتقل الى عقد التحالفات والدخول في مجاميع يتعرف عليهم ويحاججهم بشكل مباشر عبر اللعبة نفسها وقيادة هجومات على مجاميع اخرى وتوزيع الغنائم في حال الفوز.
يذكرنا هذا الحال بنظام سائد في العالم وهو النظام الاستعماري.
فالاستعمار يسعى للاعتداء على الاخرين ونهب ثروات الشعوب الضعيفة لبناء قوة اقتصادية وعسكرية متحكمة وهو ما نراه حقا في الدول الاستعمارية من خلال امتلاكها القوة العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية واستهداف الاراضي وجلب الموارد ومن ثم التحكم بمصير البلدان والسياسات والاسواق العالمية والاستهلاك الفردي في كثير من البلدان النامية وبذلك تمثل هذه اللعبة منهج تلقين ممتاز لفكر الرأسمالية بين الجماهير كما هو الحال مع بقية وسائل الاعلام وبرامج التواصل الاجتماعي والافلام ولكن تمتاز هذه اللعبة عن غيرها بان تلقينها يتم بطريقة الاجمال المستمر من دون نهاية لأن ثمارها لا تنال الا بالاستمرار في اللعب والبقاء متصلا بها قدر الامكان.
ادمان الى حد الجنون:
عامل بناء، موظف في دائرة، بائع ملابس، بقال، كل هؤلاء وغيرهم يلعبون هذه اللعبة بشغف ويتحدثون مع اصدقائهم عنها وكأن احداثها حقيقية والامر لا يستهجن ولا يعاب لأنها مجرد لعبة.
ولكن الكارثة الاكبر هي ان اللعبة قد انتشرت بين الطلبة في المدارس في كل المراحل فقد ادى ادمانهم على ممارستها الى تراجع ملحوظ في مستوياتهم الدراسية في كل المراحل.
فكلما جلس طالب ليراجع دروسه، قفزت امامه فكرة تطوير مدينته في اللعبة او فكر في ان يعقد تحالفا مع زميلا له للهجوم على زميل ثالث او عاد الى فتح اللعبة ليتأكد من ان احدا لم يهجم على مدينته هذا اذا لم ينشغل قلبه بالتواصل مع فتاة عبر شات اللعبة ليتبادل معها الكلام.
ومن السهل ان يلاحظ الانسان ان بعض الطلبة المتميزين قد شهدوا تراجعا ملحوظا في معدلاتهم العلمية بسبب انشغالهم المستمر بهذه اللعبة التي تبيح لهم الوهم وتسلب منهم قمة قدراتهم العقلية والبدنية التي يمكن ان يوظفوها في خدمة انفسهم ومجتمعهم.

نشرت في الولاية العدد 98

مقالات ذات صله