الشيخ جميل البزوني
بالرغم من عدم التصريح بهذا المنهج المخالف من جهة محددة بعينها لكن توجد بعض الأحاديث الدالة عليه التي تحتاج إلى نظرة نقدية لبيان قيمتها العلمية:
الدليل الأول – أحاديث ضرب القرآن:
وردت رواية في ذلك (عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أبي: (ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض إلا كفر)
روى السيوطي – من مفسري السنة- فقال: (إن رسول الله (صلى الله عليه واله) خرج على قوم يتراجعون في القرآن وهو مغضب فقال: بهذا ضلت الأمم قبلكم باختلافهم على أنبيائهم وضرب الكتاب بعضه ببعض، قال وان القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا، نزل ليصدق بعضه بعضا، فما عرفتم منه فاعملوا وما تشابه عليكم فآمنوا به)
وهذه الروايات في هذا المجال لا تخلو من المناقشات السندية والدلالية، فالرواية الأولى مثلا ليست تامة السند، لأن في رجالها ما لم يوثق مضافاً إلى إن دلالتها على منع تفسير القرآن بالقرآن ليست صريحة، وهناك احتمالات أخرى في تلك الدلالة
الدليل الثاني- عدم حجية ظواهر القرآن عند الإخباريين:
إن تفسير القرآن بالقرآن يقوم أساساً على مسألة وقع الكلام فيها بين الأصوليين والإخباريين، وهي حجية ظواهر القرآن وقد أنكر بعض الإخباريين ذلك واستدلوا على ذلك بأمور منها:
إن الروايات دلت على اختصاص فهم القرآن بالنبي وأهل بيته الكرام.
إن هناك مضامين ليس بمقدورنا الوصول إليها وقد ذكر القرآن أن الراسخين في العلم هم من يوفق للوصول إليها فقط.
اشتمال القرآن على الآيات المتشابهة يمنع من التمسك بظواهره.
إن الكثير من الآيات القرآنية احتوت على التخصيص أو التقييد أو أن المعنى الذي يقصد منها ليس المعنى الحقيقي وهذا كاف للمنع من التمسك بظواهر القرآن.
إن هذا من قبيل تفسير القرآن بالرأي وهو ممنوع.
وقد ناقش الأصوليون ذلك كله وكما يأتي:
1- المقصود باختصاص فهم القرآن بأهل البيت عليهم السلام …هو الفهم الكامل للقرآن أعم من المحكم والمتشابه و… والمنع من الاستقلال بالفتوى دون مراجعة الروايات الصادرة عن أهل البيت…
2- لا يوجد تعارض بين وجود مضامين عالية وصعبة الفهم في القرآن، والرجوع إلى الظواهر الواضحة والاستدلال.
3-إن ظواهر القرآن ليست من المتشابهات أي إن المقصود من المتشابهات هنا هو الآيات المجملة ولكن ظواهر القرآن ليست مجملة ولا متشابهة.
4- إن الأخذ بالظواهر وتفسير القرآن يكون بعد مراجعة المخصصات والمقيدات والروايات الأخرى وعندها ينحل العلم الإجمالي ويرتفع حينئذ المانع من الأخذ بالظواهر.
5- إن روايات التفسير بالرأي تعني تفسير القرآن بدون مراجعة القرائن العقلية والنقلية أما الأخذ وتفسير القرآن بها بعد مراجعة القرائن العقلية والنقلية (أعم من الآيات والروايات المعتبرة) فلا يعد جزءا من التفسير بالرأي، بل إن بعض علماء الأصول قالوا إن حمل ألفاظ القرآن على ظاهرها لا يعتبر تفسيرا لان التفسير هو كشف الستار وظواهر القرآن لا ستار عليها والمقصود من التفسير بالرأي هو الاعتبار الظني غير المعتبر مثل حمل اللفظ على خلاف ظاهره على أساس الترجيح الشخصي.
فالنتيجة إن أدلة الإخباريين على منع حجية القرآن مخدوشة، وان أدلة علماء الأصول تامة ومقبولة
المصادر
1- انظر: الكافي / الكليني / ج2 / ص632
2- انظر: الميزان / ج3/ ص90
3- انظر: ما ذكره العلامة في الميزان / ج3 /ص85, والفيض الكاشاني في الوافي / ج5/ ص274, والمجلسي في بحار الأنوار / ج89 / ص39
4- دروس في المناهج والاتجاهات التفسيرية للقران /ص51-52
نشرت في الولاية العدد 102