القبـة العلويـة ضياء أناخ رحله في النجف

غزوان العيساوي

تتحدث الروايات التاريخية ان المرقد الطاهر للامام أمير المؤمنين مر بمراحل تاريخية عديدة تدرجت فيها العمارات وتكاملت شيئا فشيئا حتى وصلت الى الحال الذي عليها اليوم.. ورافقت هذه المراحل العمرانية تطور لافت للقبة العلوية المقدسة من حيث الصغر والكبر أو الضيق والاتساع فضلا عن أكسائها بالجص ساعة وبالبلاطات الخزفية أخرى حتى كان 1743 ميلادي حيث تم أكساء القبة العلوية بالبلاطات النحاسية المطلية بالذهب الخالص وذلك بأمر من السلطان نادر شاه الأفشاري الذي خلف الحكم الصفوي في إيران.. ولتقادم الزمن وتأثرها بالظروف الجوية توالت عمليات الصيانة والترميم للقبة الشريفة ، ففي العام 1886 ميلادي جرى ترميم القبة بعد اصابتها بشقوق وتصدعات بفعل العوامل الجوية، اذ تم تطويق القبة المباركة بعد قلع الذهب بالحديد وأعيد ترميمها باشراف المعمار الشهير الحاج محسن والاستاذ النجار حسين الشمس ثم أعيدت اليها الصفائح الذهبية كما كانت.
في العام 1928 ميلادية تضعضعت بعض الصفائح الذهبية للقبة وحدث تصدع فيها مما أدى الى دخول مياه الأمطار الى داخلها فكان رفع الصفائح الذهبية وترميم الاضرار باشراف الحاج سعيد نجل الحاج محسن المعمار.
في منتصف العقد السادس من القرن العشرين اصيبت القبة العلوية بتصدع كبير فابتدأ العمل بترميمها بتبرع من التاجر الحاج محمد رشاد مرزة وقد دام العمل سنين عديدة حتى انتهى في العام 1971 ، وقد قدرت تكاليف تذهيب القبة آنذاك حوالي مليون دينار عراقي.
يقول الحاج علي محمد رشاد مرزة الابن الاكبر«ان والدي محمد رشاد مرزة عندما سمع بان هناك امر لغرض تجميع اموال من اجل اعادة ترميم قبة الامام علي عليه السلام انتفض وذهب ليبلغهم بانه سيتكفل بالامر وحده وفي ذلك الوقت لا يعلم كم تكلف العملية لكنه تكفل بالامر وبدا العمل بها في بداية سنة 1968 وانتهى العمل منها في سنة 1971 وقد بلغت الكفلة مليون دينار عراقي أي مايقارب ثلاثة ملايين دولار في وقتها , وقد ارخ الشاعر عبد الغفار الانصاري ذلك بأبيات شعرية جاء فيها:
لقد تجلت قبة المرتضى                 ولها الله جلالا قد وهب
بورك المحسن في تذهيبها             فيها نال ( الرشاد) والارب
ولها من لطفه ارخ(كسا                  من سنا نور علي الذهب)
اما الاستاذ يوسف شريف ابن المعمار شريف يوسف المعمار المعماري القديم الذي افنى حياته بخدمة المراقد الشريفة يقول عمل والدي في الصحن الحيدري الشريف سنة 1945 واستلم العمل بشكل رسمي لاصلاح القبة الشريفة سنة 1962 لظهور بعض التصدع فيها فقد قام باصلاح القبة من الداخل التي كانت مغلفة بالطابوق المعرق وبعدها تم العمل على اصلاح القبة من الخارج لان الطابوق الذهبي قد بدا بالتساقط والاحمرار فبدأ العمل فيها سنة 1966 وتم تجهيز 25 الف بسمار من النحاس للطابوق الذهبي لانه كان يحتوي على مسامير حديدية تاكلت بفعل الزمن ولكن تم التوقف بالعمل لعدم توفر الذهب الكافي لاكمالها بعدها تبرع الحاج محمد رشاد مرزة بالتهذيب حيث تبرع ب(63) كيلو من الذهب استطاع والدي اعادة تذهيب طابوق القبة الذهبية ليصل عدد القطع الى (8888) كما احصاها في وقتها .
و في العام 1991 تعرضت القبة العلوية المقدسة الى قصف مدفعي من النظام البعثي الغاشم إثر الانتفاضة الشعبانية المباركة، وقد أصيبت بإصابات بليغة وبخاصة الجهة المطلة على الشمال منها، وبعد استتباب الأمن أعيد ترميم القبة بصفائح جديدة يمكن تمييزها عن الصفائح الأصلية القديمة التي بقيت سالمة.
كما يؤكد الاستاذ يوسف المعمار ابن المرحوم الحاج شريف المعمار ان بعد سيطرة الجيش على مدينة النجف الاشرف عدنا باصلاح الصحن وبدانا بالقبة التي قصفت ب17 صاروخ ولكنها بفضل الله وبركة الامام علي عليه السلام لم تثقب وقد قام الوالد بإصلاحها وارجاع الطابوق الذهبي فيها.
في العام 2009 ميلادي أكملت العتبة العلوية المقدسة في عهد أمينها العام السيد مهدي الحسيني إعادة حزام القبة اليها بعد ترميمه وتأهيله وذلك بعد سنين طويلة من رفعه من قبل النظام البعثي البائد.
وفي العام 2013 بدأت العتبة العلوية المقدسة في عهد أمينها العام الشيخ ضياء الدين زين الدين بالعمل على مشروع تذهيب عنق القبة العلوية بارتفاع خمسة أمتار وعشرين سنتمترا أسفل حزام القبة، وبتنفيذ من قبل ورشة التذهيب التابعة الى العتبة العباسية المقدسة وكان عدد القطع الذهبية التي تم استبدالها في هذا المشروع بلغ 2525 قطعة مع تبديل شبابيك القبة البالغة اثني عشر شباكا من قبل كوادر قسم الصيانة الهندسية في العتبة العلوية المقدسة.
في العام 2016 أكلمت العتبة العلوية المقدسة في عهد أمينها العام السيد نزار حبل المتين إعادة ترميم القبة العلوية المباركة بشكل كامل بعد سنين من الإصلاح شمل البناء الخاص بالقبة وتقويته وإعادة تذهيب الصفائح الذهبية الخاصة بها، تحت إشراف وتنفيذ مؤسسة الكوثر لاعمار العتبات المقدسة .
وفي حفل ازاحة الستار عن القبة الشريفة اشار رئيس ديوان الوقف الشيعي سماحة السيد علاء الموسوي الى ان عملية تجديد تذهيب القبة هي الثانية من نوعها عقب عملية التجديد الاولى التي بوشر فيها عام 1968 بأمر من المرجع الاعلى انذاك الامام السيد محسن الحكيم اذ تحمّل كلفة المشروع بالكامل المرحوم الحاج رشاد مرزة وقد بلغت كلفة تذهيبها بعد ثلاث سنوات من العمل مليون دينار في ذلك الوقت .
واضاف السيد الموسوي ان عملية التجديد الثانية هذه باشرت بها الامانة العامة للعتبة العلوية المقدسة بعد ان وفّرت ما يقرب من 190 كغم من الذهب وتكفّلت شركة الكوثر الايرانية بتوفير الخبراء والمشرفين على مراحل العمل في التذهيب وان هذه العملية تمت بإيعاز وإشراف كامل من قبل المرجع الأعلى السيد علي السيستاني حفظه الله تعالى.
كما اكد سماحة الأمين العام للعتبة العلوية المقدسة السيد نزار حبل المتين في كلمته « نحن في هذا اليوم المبارك الذي نزيح فيه الستار عن قبة أمير المؤمنين (عليه السلام) هذه القبة الفريدة في تصميمها والوحيدة في معناها والوتر في رمزيتها نتوجه الى الباري عزوجل أن يتقبل منا هذا العمل بأحسن قبوله كما حرصنا على إعادة الكف والشعاع الذهبي الذي أخفي طيلة ستة وثلاثين عاما عندما أزاله النظام المقبور عن القبة الشريفة حقداً وحسداً وانتقاماُ.

نشرت في الولاية العدد 103

مقالات ذات صله