آلية دراسة المعنى النحوي

الجانب الدلالي في البناء
وقد طفحت كتب الدلالة واللسانيات بهذه التنظيرات ، ولكن الامر يبدو اكثر صعوبة ومشقة نظرية اذا ما أردنا رصد عملية تكوين الدلالة وإنتاجها في الحقل النحوي»التركيب» وذلك لسبب بديهي هو ان بساطة المفردة مقابل تعقيد التركيب « البناء النحوي» يفضي الى سهولة تكوين الدلالة في المفردة مقابل صعوبة ذلك في البناء النحوي لائتلافه وانتظامه من مكونات عدة لكن هذا الأمر لا يعني أن الجهود النحوية في النظرية العربية التي ارساها سيبويه في كتابه وسار عليها من جاء بعده من نحاة لم تعِ الجانب الدلالي في البناء ام التركيب بل لهم جهود طبية وغنية ومتميزة في هذا الباب لكن الناظر في المدونة النحوية يصعب عليه الفرز او تميز هذا الجانب وذلك لاشتباك هذا المستوى مع المستوى الوصفي للبناء أو الشكل إن كانت فصائل نحوية او تراكيب متلازمة او وحدات اسنادية او بنى متحولة عن هذه الوحدات « التراكيب الإنشائية « فضلا عن المستوى التفسيري الذي هيمن على النظرية العربية لاستجلاء أو اكتناء ما وراء التراكيب في الآلية التي يعمل بها التركيب « لتوضيح نتاج الكلام» يتجلى هذا المستوى بالمستوى التعليلي «العلل النحوية» .
ان اشتباك هذه المستويات الثلاثة يفضي لتغييب التنظيرات الدلالية وتميزها عن غيرها على ان هذا لا يعني ان الصورة تبقى ضبابية أمام القارئ او الباحث فاغلب المصطلحات النحوية للفصائل والأساليب هي مستوحاة من الفكرة الدلالية لها وما مصطلح «التمييز» الذي هو بوصفه البنائي المفرد الفضلة غير المشتق الجامد المنصوب الا مثال يدلل على هيمنة الدلالة كي تكون قاسما يسم هذه الفصيلة النحوية عن غيرها من الفصائل والأمر ينطبق على الحال والاستثناء والصفة ولعل مصطلح الفعل والفاعل والمفعول به لا يحتاج إلى تنويه وكذلك مسميات البنى المتحولة عن الجمل الأصل من تعجب ونفي واستفهام ونداء وتمني وإغراء وتحذير إلا ما يؤكد هذا الأمر على أن التفريق بينها قائم على فكرة دلالية .
الفكر ومحدودية البناء
إذن فالدلالة النحوية من ركائز النظرية العربية والبحث الذي يريد ان يلقي على عاتقه الكشف عن هذا الجانب ينبغي عليه وفي وفق الإشكاليات السابقة « من اختلاط المعالجات الوصفية الشكلية والدلالية والتفسيرية التعليلية « أن يمارس عملية تفكيكية لهذه المستويات وإبراز الجانب الدلالي من بينها ولعل أكثر المستويات « فيما نظن» التي لا ترتبط بالجانب الدلالي وبحاجة إلى إقصاء أكثر من غيرها الجانب التفسيري التعليلي اما الجانب الآخر البنائي الشكلي. وان كانت الية البحث تقتضي فرزه بغية إبراز المعنى النحوي او الجانب النحوي الا ان هذا الفرز أو الإقصاء لا يكون بشكل مطلق أو تام بسبب أن إبراز الجانب الدلالي يتعلق بإجراءات وصفية لا تنحسر بالتحليل الدلالي وحده والمستوى البنائي الشكلي هو قائم على وصف بما يحتم الاستعانة بالشكل في توضيح المعنى النحوي فمن البديهي الذي لا يحتاج إلى تنويه ان الشكل والبناء والصيغ هي جسم المعنى الذي لا يتمظهر بدونه وانطلاقا من هذه الأشكال يتم إمساك مادة البحث بخطة تنطلق من نمو واتساع الأجزاء الشكلية البنائية بدءاً من الوحدات الصغيرة وانتهاء بما هو اكبر منها أي البدء بدلالة أقسام الكلام الثلاث الاسم والفعل والحرف والوظائف النحوية «الإعرابية» التي تتعاور على هذه الأصناف بوظائف نحوية وإعرابية عديدة تتفتق منها الدلالة بعلاقة جدلية لتحقق التقارب بين الفكر باتساعه غير محدود وبين محدودية الشكل والبناء «اللغة» فيعرج هذا بالنظر على دلالات الفعل الزمنية المختلفة وعلى الوظائف المختلفة التي تتعاور على الاسم من فاعلية والمفعولية والفصائل النحوية الأخرى التي شكلت ما يسمى بالأبواب في كتب النحو أي من قبيل باب الحال وباب التمييز مراعيا النظر لتناسب هذا الاتساع مما يحتم معالجة المركبات المتلازمة باعتبارها خطوة لاحقة على الفصائل في النمو والاتساع للامساك بمعاني هذه التراكيب ولا يخفى ما المراد منها بالتلازم يقترب من مفهوم التبعية في العربية في أقسامه الأربع المعروفة ناقلة على باب الإضافة وغيره من التراكيب المتلازمة وصولا إلى ما يتحقق به الإسناد وتحصل به الفائدة « الجملة» بمختلف تفريعاتها الأصلية» دلالة الجملة الفعلية ودلالة الجملة الاسمية والظرفية عند البعض والشرطية عند البعض الآخر عم مراعاة البساطة والتركيب في بناء الجملة بما يصطلح عليه ابن هشام بالجملة الصغرى بمعنى «البسيطة» نحو» زيد أخوك وجاء محمد مسرعا بالأمس « والكبرى أي المركبة وهي ما وقعت فيها جمل « لها محل من الإعراب « حلت محل المفرد انتهاء بعوارض البناء التي تكتنف الجمل الأصلية من خلال عمليات التحويل من حذف واضمار وتقديم وتأخير وإحلال أي دلالة الجمل الإنشائية بأساليبها المختلفة من تعجب وتمني واستفهام ونفي ونداء .

نشرتف في الولاية العدد 105

مقالات ذات صله