رقية هشام
حدثتني والدتي يوما ما واباحت لي عما يجول في خاطرها حول محنتها التي عاشتها مع جدتي طوال فترة زواجها من والدي، رغم اني كنت اتذكر واشاهد بأم عيني كم بذلت امي من جهود وتنازلات لأجل ارضاء جدتي ولكن بلا جدوى ففي صباح كل يوم نستيقظ على سمفونية الصراخ بين الغريمين، هذا بغياب الوالد او بحضوره، والمسكين لا يعرف كيف يُرضي الطرفين في وقت واحد فحلوله محكوم عليها بالفشل مسبقاً كون النتيجة لا تُقبل بالتعادل لذ يجب عليه ان يرضي طرف على آخر، وللخروج من هذه الازمة كان والدي يستخدم طريقة مفضلة لديه في تلك اللحظة عندما يحتدم الصراع في البيت وفي لمح البصر يرتدي ملابسه الجديدة ويهرول الى خارج الدار ولا يرجع الا في وقت متأخر من الليل.
علما ان كل المشاكل التي كانت تحدث آنذاك كانت مشاكل تافهة ومحلا للسخرية ولكن كيف اوصل الكلام المنطقي الى جدتي العزيزة واقول لها ان زمانكِ تغير وعليكِ ان تتقبلي الوضع الحالي..
عندما كنت اجالس جدتي في اوقات هدوئها فهي الاخرى كانت تعاني من والدة جدي المغفور له اي (عمتها) التي اذاقتها الامرين في العيش معها وقالت لي ذات يوم لم انعم بالعيش الرغيد والراحة الا بعد وفاتها فحينها استطعت ان لا استيقظ فجراً كل يوم لأداء واجبات البيت والاطفال وان كنت قد انجزتها ليلاً.
تقول جدتي: ما ان تتبين علامات الفجر في السماء اسمع صياح عمتي تناديني باسمي لكي اقوم بأعمال اخرى لا تحتاج اليها كغسل الفرش والاواني القديمة او الذهاب معها الى السوق واشعال التنور وتجهيز الخبز الحار، كل ذلك وغيره كنت انجزه في اول الصباح الباكر.
من خلال ما شاهدته من معاملة جدتي مع والدتي المسكينة وما سمعته من جدتي المسكينة ايضا والمأساة التي كانت تتوارثها الامهات من تضيق الخناق على الزوجة وقساوة القلب..
استنتجت من ذلك ان العرف الاجتماعي والتقاليد الموروثة والاحكام المقيتة التي اكل عليها الدهر وشرب انها احكام لا تمت للدين بأي صلة، هذه التقاليد التي حكمتنا لعقود طوال اتعبت جيلا بعد اخر ولا اعرف متى سينتهي هذا الظلم المبطن والمسجون بين جدران بيوتات لها صيت ديني واجتماعي بين الناس، وما يحدث الان في وقتنا الحاضر من كثرة حالات الطلاق وقطع العلاقات الاجتماعية بين الاقارب والاهل
لا اعرف متى ستنتهي هذه الازمة المجتمعية وتستفيق عوائلنا من هذه التقاليد الكلاسيكية والاعراف المقيتة ونتحول الى مجتمع متحضر يقبل احدنا الاخر، لذلك لا بد من تقف المؤسسات الثقافية والدينية وخاصة خطباء المنابر لحل هذه المشكلة التاريخية التي يبدو ان ملامحها ستستمر الى ما لا نهاية
وبين تقاليد المجتمع المجحفة والتقدم الذي طرأ على حياتنا اليومية تبقى عقول الماضي تحكم بسطوتها تفرض ارادتها، ولا ادري ما هو مصيري في المستقبل هل سينتهي مع (عمة) تحمل تراث وافكار الماضي ام محدثة وتقبلني كزوجة لابنها.
نشرت في الولاية العدد 107