النجفيون في محطات الاستراحة

ارشد رؤوف قسام

ان اهل النجف قديما ـ وكما هو الحال في الوقت الحاضر ـ يجهدون انفسهم في الحصول على لقمة العيش الكريمة وبالطرق الشريفة الحلال ونظرا لقلة وصعوبة الحالة الاقتصادية ومصادر الرزق كانت هناك معاناة وضغوط على شريحة الرجال التي تسعى الى رزقها منذ الصباح الباكر وحتى ساعات المساء وفي مختلف المهن والتي في مجملها مهن قاسية لذلك صاروا بحاجة الى اوقات راحة ومحطات استراحة يلجؤا اليها للترفيه والترويح عن النفس حتى يستعدوا ليوم عمل جديد ومشاق اخرى.

(المقاهي) هي واحدة من أهم هذه المحطات حيث تعد متنفسا لرجال المدينة بعد يوم عمل شاق، فضلا عن كونها ملتقيات يتبادل فيها الأهالي الحديث حول شؤونهم العامة ويستمعون خلالها لأخبار بعضهم البعض، كما يعد مكانا ثقافيا فيه تسرد القصص والحكايات والنكت والمواقف الطريفة كما كان للشعراء حضور مميز من خلال الجلسات الشعرية والادبية، كما ان للسياسة نصيبا من الاحاديث خصوصا عندما يحضر الناشطون السياسين من اهل النجف المولعين بالسياسة والفكر والفلسفة مع العلم ان جميع الاحاديث كانت لا تخلو من ذكر الله جل وعلا ورسوله الكريم واهل بيته الاطهار.
كما ان المقاهي النجفية ايام زمان كانت تشكل مباني فلكلورية بطراز نجفي جميل إذ تدل على حضارة مدينة عريقة، اذ كانت ذا تنظيم حسن ومناظر جميلة ابتداء من مكان اعداد الشاي والقهوة والمشروبات الساخنة حيث تسمى (المناقل)او المشهور بـ(الوجاغ)وهو مكان مرتفع عن الارض يكون فيه حصى ناعم مع فحم (جمر) وهو موقد لإعداد (تهدير) الشاي النجفي (الزنكين) (من راس القوري) حسب ما كان يطلق عليه في حينها، حيث كانت تُصّف أباريق(القوري) الشاي المصنوعة من الخزف الصيني والهندي والاوربي، بكثرة في الموقد (الوجاغ) وكذلك في رفوف محيطة بالموقد في واجهة المقهى ليملأ الجدار بانواع مختلفة من الاباريق الجميلة وبالألوان الزاهية ايضا.
كما ان جدران المقهى الاخرى تملأ بالصور المختلفة منها لزعماء الحوزة الدينية ورجال الدين والخطباء والمشهورين واحيانا زعماء سياسين وابطال في مجالات اخرى اضافة لآيات من الذكر الحكيم وصور تشابيه لبعض الائمة عليهم السلام والمراقد الدينية، كما تُصّف الارائك بصورة متقابلة ومتعاكسة حسب مساحة وشكل المقهى وتكون هذه الارائك مفروشة بافرشة جميلة (أزر) كما ان هناك مكانا للدلال العربية التي تقدم القهوة النجفية بطعمها اللذيذ وبنكهة الهيل المميزة.
كما ان هناك مكان لـ (للأركيلة) التي تقدم للزبائن حيث صوتها الجميل من خلال الفقاعات المتكونة من سحب الهواء داخل الماء الصافي الرقراق اذ ان هذه (الأراكيل) تكون بالوان زاهية مع انبوب مطاطي(قامجي) شامي ملون وكل ذلك يشكل اجواء جميلة تعدُّ استراحة محببة لكثير من اهالي النجف وقتها ونذكر من تلك المقاهي التاريخية العالقة في اذهان الكثيرين:
• (مقهى عبد ننا) ويقع في ساحة الميدان مقابل الباب الشرقي لسور مدينة النجف قرب السوق الكبير ويعد من اكبر المقاهي في المدينة وقد سميت باسم صاحبها(عبد ننا) كانت تزدحم بالرواد طوال الوقت ومن مختلف الطبقات والميول فكانت مجلسا للادباء والتجار والكسبة وكان لبائعي الاسلحة وهواتها حضور مميز فيها.
• (مقهى الانكراني) ويقع في الميدان قرب دائرة البريد والبرق سابقا وقرب المسجد الحيدري ايضا وكانت بطراز فني ومعماري جميل كانت تحوي على حوض ماء دائري تحيط به مزهريات فيها الورود كانت تبعث في النفس راحة يخلد فيها الرواد للترفيه والتسلية من خلال هذه الاجواء اللطيفة بعيدا عن الضوضاء ومشاكل العمل والحياة خصوصا ان المقهى مزينة بالمرايا والنقوش الجدارية التراثية، ومؤثثة بالتخوت الخشبية المريحة بمساندها المنجدة بالسجاد المنقوش ذو الالوان الزاهية وكانت تريح الرواد وهم يتبادلون اطراف الحديث وشجونه وكان الملاحظ في المقهى ان من روادها أيضا هم اغلب المشيّعيين الذين يحضرون لدفن موتاهم من المدن الاخرى حيث يجدون الراحة وكذلك اقربها من استعلامات (مكتب الدفن) سابقا .
• (مقهى ابن مذبوب) يقع في بداية شارع الصادق مقابل خان الهنود .
• (مقهى ماشاء الله) ويقع في دورة الصحن الشريف مقابل مسجد الخضراء.
• (مقهى عبود) ويقع في سوق الحويش مقابل (عكد) مدرسة اليزدي .
• (مقهى فيروز) ويقع قرب شارع الصادق ضمن سوق المسابك.
• (مقهى ابو المسامير) يقع في شارع الخورنق.

نشرت في الولاية العدد 108

مقالات ذات صله