دعاء الربيعي
من المعروف جيدا لدى الجميع ان الاسرة في المنظور الاسلامي هي عماد المجتمع وهي اللبنة الاولى لبنائه كما أنه العامل الرئيسي في صلاح الامة فأن صلحت الأسرة صلح المجتمع وأن فسدت فسد المجتمع وأنهار وتفكك، ومع بالغ الاسف نرى اليوم ان الاسرة المسلمة المحافظة هبت عليها رياح غربية غزتها ودمرت موروثها التربوي والغت اعرافها وتقاليدها, كل ذلك أدى الى انحراف الأسرة عن قيمها ومبادئها. ففقدت ريادتها للمجتمع، فلم تعد كما كانت تجمع بين أفرادها قيم الترابط والتراحم والتزاور بمختلف المناسبات.
هذه المشكلة باتت تنذر بشرا قد تتبين اضراره في قابل الايام إذا لم يسرع أهل الفكر والذكر والعقلاء والمصلحين إلى ايجاد الحلول الناجعة لها، حتى تجتاز الأسرة المسلمة مرحلة التذبذب والحيرة التي تضمنتها الافكار الغربية بما تحتويه من أعراف ومفاهيم لا تمت لمبادئنا وقيمنا بصلة هددت كيانها وعرًّتها عن هويتها واصالتها الاسلامية، لذلك فأن من الواجب على الشريحة المثقفة الواعية وأولي الحل والعقد أن يتصدوا لهذا الامر الخطير, وعليهم أن يسارعوا الى ايجاد الحلول الصحيحة التي من شأنها أن تحد من ظاهرة التفكك الاسري.
وكي نقف على كثب من دواعي واسباب التفكك الأسري وأهم دوافعه ومن أين ينشأ وجهنا اسئلتنا الى شريحة متنوعة من المجتمع لمعرفة آرائهم وبيان معالجتها مستقبلاً
الابوين في صميم المشكلة
بدأنا التحقيق بالحقوقية المتقاعدة في محكمة النجف نادية شلاش فتفضلت قائلة: أن التفكك الاسري اساسه المشاكل التي تعاني منها الأسرة وخصوصا المشاحنات التي تقع بين الابوين وكذلك تبادل الاهانات والشتائم وقد تصل في بعض الاحيان الى الاعتداء الجسدي من قبل الطرفين مما يؤدي الى فقدان الاحترام بين افراد الأسرة وتجعل الابناء يهربون من الواقع الذي يعيشون فيه، فيكثر التباعد وتقل صلات الرحم وتتشتت العائلة وتنحل الاواصر التي تربطها وبذلك ينشأ التفكك الاسري.
بينما أوضحت مدربة التنمية البشرية في كلية الكفيل الجامعة الاستاذة سجى الطريحي قائلة: أن التفكك الاسري ينشأ ويستشري في الأسرة بسبب عدم الوعي الكافي وانعدام الثقافة الاسرية للاب وللام، ونحن في مجال التنمية البشرية نعمل على آلية اتخاذ شريك الحياة وفق معايير معينة توضع في حالة اختيار شريك الحياة، فغالبا ما يغلب على الرجل عاطفته فيختار وفق ميوله ومشاعره وبمجرد حصول الارتباط تتلاشى تلك الأحاسيس الجياشة شيئا فشيئا ويبدأ النزاع والصراع بين الزوجين لذلك يتوجب أن ننتبه الى قضية مهمة جدا تساهم بشكل فعال في ادامة الود والمحبة في اجواء الأسرة وهو قضية اختيار شريك الحياة المناسب لتجنب المشاكل الاسرية فيما بعد.
الحرية الشخصية سبب اخر
تقول الدكتورة آمال آل حيدر رئيسة قسم ضمان الجودة والاداء الجامعي في كلية الامام الكاظم(عليه السلام) الجامعة: ان التفكك الاسري هو تفكك للمجتمع إذ ان الأسرة هي عماد المجتمع وكيف ما تكون يكن المجتمع فأن كانت ذات اسس رصينة كان المجتمع قويا متماسكا يشد بعضه بعضا وان كانت ضعيفة خاوية نتج عنها مجتمع يحمل ذات الصفات، ونرى في الآونة الأخيرة شيوع ظاهرة التفكك الاسري التي أنشبت اظفارها في جسد الأسرة وعاثت فيها فسادا، ولعل الاسباب متعددة لنشوء هذه الحالة التي ما برحت طويلا حتى اضحت ظاهرة واضحة اشد الوضوح ومن ابرز اسبابها هي ادعاء الحرية الشخصية وجعلها بديلا عن التكاتف والتعاضد الاسري المنضوي تحت قيم وادة وسقف واحد فكل فرد في الاسرة يحرص للحفاظ على خصوصيته بعدم اشراك باقي افراد اسرته بما لديه من افكار ومقترحات وميولات ورغبات.
غياب الادارة… بداية المشكلة
كما بينت الكاتبة زينب النصراوي : ان من اهم اسباب التفكك الاسري هو غياب الوعي الثقافي والديني في كيفية ادارة الأسرة وعدم تخلي افراد الأسرة عن مسؤولياتهم تجاه بعضهم البعض .
وبلا شك أن هناك الكثير من الاسباب والدواعي التي تؤدي الى ابتعاد افراد الأسرة عن بعضهم البعض ففقد احد الابوين عن الأسرة هو احد مسببات التفك وليس بالضرورة ان يكون الغياب جسديا فلربما يكون الغياب المعنوي اشد تأثيرا على الأسرة فهناك الكثير من الآباء الحاضرين الغائبين عن اسرهم، كما ان الصراع بين الأب والأم هو احد المسببات الرئيسية للتشتت الاسري.
الفوضى وتوحش التكنلوجيا
ولثورة الاتصالات والتطور التكنلوجي مساهمة فعًّالة في تفكك الاواصر الاسرية وابتعاد الافراد بعضهم عن البعض الآخر, فيتناول الأديب والاعلامي شاكر القزويني هذا الموضوع، قائلا : ان انقضاض تكنلوجيا الاتصالات على المجتمع وقيمه كانقضاض السبع على فريسته، وما ضاعف أثر هذا الفتك هو غياب دور الرقيب والموجه، فالفوضى التي تعم المجتمع والافتقار الى المؤسسات التي تعنى بهذا الجانب الحيوي، الاجتماعي والقانوني والثقافي، أفقد المجتمع والأسرة والفرد الكثير، بعدما أصبح الجميع أعزلا أمام هذه الهجمة التخريبية الشرسة، وبعد دخول جيوش الموبايلات الى داخل الأسرة، تمت عملية أسر كل فرد بمعزل عن أسرته، حتى ذابت أواصر الانسجام والتفاهم والترابط، فأصبح أفراد الأسرة غرباء عن بعضهم البعض، فكان ما قرب سكان الأرض الى بعضهم البعض في العولمة وما بعدها هو من أبعد أبناء الأسرة الواحدة الى شتات الاغتراب والانسلاخ عن المجتمع، وهذا هو أقرب الطرق الى التفسخ والانحلال والضياع.
اخيرا يمكن القول أنه مهما تعددت فأن النتيجة واحدة وهي خراب الاسرة ودمارها وبالتالي خراب المجتمع، وبما أن هذه الظاهرة هي مرض خطير يفتك بالروابط الاسرية فلا بد من السعي لإيجاد حلاً لهذه الظاهرة، ولا ننسى دور الاب والام في أن يسعوا جاهدين لحل النزاعات الاسرية خصوصا التي تحدث بينهما لأنها المدخل الاول للتفكك، كما يتوجب على الأسرة ككل أن تكون واعية لما يحدث لها وان يعمل افرادها مجتمعين على تنمية روح الانتماء داخل افرادها وتسعى ايضا الى تهيئة الجو الاسري المناسب الذي يحقق حياة سعيدة وهانئة وهادئة لأفرادها وان يشترك الابوان لغرس بذور التعاون والاخاء بين افراد الاسرة ويسقوها جيدا لتعطي ثمارا يانعة وازهارا فواحة يرتوي من عطرها المجتمع بأجمعه وتشبع كل من له حاجة بالطرق السليمة والصلاح الذي يرضي الله تعالى.
نشرت في الولاية العدد 112