الدكتور أحمد الطفيلي
إنّ العبادة لها آثار وفوائد كثيرة وأهمها:
الأثر الأول: التوبة، ومن كمالها التوبة النصوحة إلى الله تعالى، ومن شروط التوبة الحقّة أداء حق الله وحق الناس، فلا توبة صادقة إلا بعد أداء حق الله سبحانه وتعالى وحق الناس اصلاح النفس، ولذلك فإنّ الرجوع إلى الله تعالى وإلى جادة الحق هو الرجوع إلى الصراط المستقيم, ثم تذيق بدنك أيها التائب من الذنب ألم الطاعة وحلاوة العبادة، كما أذقته حلاوة المعصية، وتذيب اللحم الحرام من جسمك؛ كي تتحقق التوبة النصوحة الصادقة والتي تعتبر من أهم آثار العبادة.
الأثر الثاني: الكمال والوصول إليه: فلابد أنْ يصل الإنسان إلى الكمال المطلوب، ولكن من غير الممكن الوصول إلى الكمال من غير العبادة الخالصة، فالعبادة جوهرة كنهها الربوبية, ولا تتم الربوبية إلا بتزكية النفس وتهذيبها من الموبقات والذنوب وتطهيرها من الرجس والدنس وتخليتها من المساوئ ثم تحليتها بفاضل الأخلاق الحسنة وهذا هو الهدف الذي يسعى إليه العقلاء وعلى رأسهم المؤمنون بكل جهد للتخلص من حب الذات والدنيا؛ كي تتوجه النفس المؤمنة إلى خالقها ومربيها لتدرك حقيقة الطاعة والخشوع والخضوع لله سبحانه وتعالى؛ وكي تتحلّى بالأخلاق الحميدة وتصل إلى الكمال الذي تبلغ به سعادة الدنيا والآخرة.
الأثر الثالث: الالتزام بالتعاليم والأحكام الإلهية كافة:
إنّ العبادة الخالصة هي إتباع الأحكام الإلهية وطاعة الرسول وأولي الأمر الهداة الطاهرين المعصومين, فالعبادة كالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر, أي تجعل المصلّي يبتعد عن المعاصي والذنوب, إذن لابد للعابد أن يستيقظ من نوم الغفلة الذي يذهب العمر بلا فائدة, ولذا لا بد أن نعيش مع الله دوماً بقلب سليم, كي تكون حياتنا سعيدة دائمة خالدة بعبادة الله تعالى واتباع احكامه وطاعة رسوله الكريم وقادتنا الأئمة المعصومين(عليهم السلام)؛ كي نصل إلى الكمال والدرجات الرفيعة بعبادة الله الواحد الأحد الفرد الصمد.
الأثر الرابع: الوعي: بمعنى العبادة: إذ من آثار العبادة الوعي والعلم الهادف، إذ لا عبادة إلا بالعلم, لهذا العبادة بتفكر وعلم خير من عبادة الجاهل, فالجاهل المتنسك عابد مضر، فقد كان الخوارج معروفين بكثرة العبادة عن جهل فكانوا يقضون ليلهم بالذكر والمناجاة وقراءة القرآن، فقد كان أبرز صفاتهم الجهل، ومن مصاديق جهلهم عدم الفصل بين ظاهر القرآن وبين باطنه؛ ولهذا وقعوا في الضلال والإضلال بسبب جهلهم بالقرآن وتفسيره بعقولهم, وعليه اقترنت عبادتهم بصفة الجهل, لذلك لا قيمة لها؛ لأنها مقرونة بالجهل, إذن العبادة التي لها قيمة إذا كانت عن علم ووعي, فالنتيجة: لابد من التلازم بين العبادة والعلم, فلا عبادة إلا بالعلم، ولا علمٌ مفيد إلاّ مع العبادة الخالصة.
الأثر الخامس: العبادة وتحرير القلب: ومن آثار العبادة الكمال المعنوي ، ونضوج الشخصية الحقيقية، فالعبادة الخالصة لله تبارك وتعالى تحتاج إلى قلب سليم خالي من الشرك الجلي والخفي؛ وذلك لقوله تعالى: (وأعبد الله ولا تشرك به شيئاً), وكذا خالي من الذنوب والمعاصي والأنا وحب الدنيا, حيث سُئل الإمام الصادق عليه السلام ما هو القلب السليم؟ قال: (القلب السليم الذي ليس فيه غير الله) (طهارة الروح للعلامة مطهري ,ص 80)
الأثر السادس: زيادة الرزق ورفع العذاب: الاستغفار نوع من أنواع العبادة ومن آثاره زيادة الرزق ويدل عليه قوله تعالى: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين)( سورة نوح, آية: 10 -12) وقوله تعالى: (استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم (سورة هود, آية: 52), كما يؤيده قول الإمام الصادق عليه السلام, إذ قال:(إذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار فإنّ الله تعالى قال في كتابه: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين). (البحار:78/201).
الأثر السابع: الكرم والجود: ومن آثار العبادة الكرم, حيث تأمر المؤمن العابد بالإنفاق وإيتاء الزكاة, فيكون الإنفاق الواجب والمستحب كإيتاء الزكاة والخمس والكفارات والصدقات هي العبادة التي تجعل المؤمن كريماً, إذن العبادة هي الكرم المادي والمعنوي, فالكرم المادي هو انفاق المال, والكرم المعنوي هو بذل النفس والأولاد والجاه والأخلاق في سبيل الدين والعقيدة؛ كي يصبح المجتمع الإسلامي متقارباً ومتحاباً ومتعاوناً على البر والتقوى.
الأثر الثامن: الزهد والعرفان: ومن آثار العبادة الزهد, وبعبارة أوضح: أنْ لا تجعل الدنيا تملكك, بل أنت تملكها, وأما العرفان: فهو عبارة عن صرف الذهن عما سوى الله تعالى والتوجه إليه, لينعكس نوره في القلب, وأما العبادة: فهي أداء العمل بقصد التقرب إلى الله تعالى (فمن الممكن أن يكون الفرد زاهداً ولا يكون عابداً, أو قد يكون عابداً ولا يكون زاهداً, أو ربما يكون عابداً وزاهداً في نفس الوقت, ولكن بين كل من العابد والزاهد عموم وخصوص مطلق, بمعنى أنّ كل عارف يكون عابدا وزاهدا, ولكن ليس كل زاهد وعابد أنْ يكون عارفاً) وبما أنّ العارف يريد الحق المعبود وهو الله وحدهُ المستحق للعبادة, فالعابد لا يُطلب الله تعالى لأجل نعمهِ الدنيوية والأُخروية, فكل ما يطلبه وجه الله وحده لا شريك له, فهو لا يطلب الله لطمع أو خوف، بل بطلب ذاته لأجل ذاته وهذه هي عبادة الأحرار, وأما الزهد فهو شرط أساس للعبادة الخالصة والمعرفة, إذ أنّ الإنسان مالم يتحرر من قيد الأهواء والشهوات لا يصل إلى النضوج الفكري والمعرفي المتحرر من قيود النفس والغرائز وحبائل الشيطان وهذا معنى قولنا: إنّ الزهد شرط أساس للمعرفة الإلهية, ولا يتكامل الشخص إلاّ بالزهد والمعرفة, بل لا توجد عبادة واقعية دون الزهد والمعرفة.
نشرت في الولاية العدد 113