التقليد الأعمى

محمد باسم السعيدي

نسمع هذه الأيام من هنا وهناك في محافل الشباب وتجمعاتهم, وفي أروقة الجامعات خاصة, من يقول أنه (علماني) و أنا أريد أن أكون (علمانيا), وتراه يقلد في مظهره وتصرفاته من يتبع هذا المسلك, ليكون على حد علمه بالعلمانية, متطورا, مثقفا, ومواكبا للحياة والتكنلوجيا والتقدم.
وفي الحقيقة إن العلمانية لا صلة لها بالعلم, ولم تكن هذه الكلمة مشتقة من العلم, إذ أنّ (العلمانية) ترجمة خاطئة لكلمة (Secularism) في الإنجليزية، أو (secularity) بالفرنسية, فالعلم في الإنجليزية والفرنسية معناه (Science) ، والمذهب العلمي يطلق عليه كلمة (Scientism)) والنسبة إلى العلم هي (Scientific) أو (Scientifique) في الفرنسية. والترجمة الصحيحة للكلمة هي (اللادينية) او (الدنيوية) وليس المعنى ما يقابل الأخروية فحسب ، بل بمعنى ما لا صلة له بالدين .
تقول دائرة المعارف البريطانية في تعريف العلمانية (اللادينية) او (secularism) : (هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها).
أقول: أين موقع شبابنا مدَّعي العلمنة (الدنيوية) هل هم من أهل الدنيا؟!, والذين يسعون سعيا حثيثا لبنائها وعمرانها, والجد في تطور الحياة في جميع المجالات, ونراهم متفوقين في دراستهم ومبدعين في عملهم!, أم موقعهم من أهل الدنيا الذين يريدون قضاء وقت ممتع بالمرح واللهو! والعبث دون الالتفات الى إعمار هذه الحياة ! . وقطعا هم ليسوا من أهل الآخرة بإختيارهم هذا الطريق.
والواقع ان بعض أبنائنا ممن جذبته هذه (القوى الناعمة) – إذا صح التعبير – حين وجدها ملائمة لحالته العاطفية, وميوله وهواه, فأعداء هذه الأمة لا يستطيعون مواجهتها مباشرة؛ بل يتحيلون الحيل لأنهم يعلمون أن مثل (Secularism) إن ترجمت الى (اللادينية) مباشرة ستنفر منها النفوس, وخاصة مثل مجتمعاتنا وما عليه تنطوي نفوس أفرادها من طبع سليم وتقاليد وأعراف تحترم الدين وتقدسه؛ فعند ذلك أطلقوا عليها (علمانية) مراعاة للمشاعر وجذبا للناس رويدا رويدا يوما بدعوى أن الدين هو علاقة بين المرء وربه فهو صلاة وصوم فقط!, ويوما بدعوى الحرية والتحرر من القيود التي يفرضها على المكلف, عند مراقبته بملبسه ومظهره, وكيف يجلب الأموال؟ وأين يضعها؟!, ويوما بشعار (الدين لله والوطن للجميع)!, ومما يؤسف له بداية الإنحراف في أذهان بعض الناس, والتشكيك في دينهم وعقيدتهم؛ وذلك لأنهم لم يمعنوا النظر في أحكام دينهم جيدا, إذ أنّ الاسلام شريعة متكاملة لا تقتصر على العبادات والمعاملات بين الناس, بل تتعدى الى أعمق من ذلك من تنظيم لشؤونهم الحياتية بِدأً من الفرد فالأسرة فالمجتمع فالدولة والحكم والنظام, وأمامنا كثير من الشواهد الواقعية والتاريخية التي يقرّ بها اللادينيون في العدالة والحرية حين كان الإسلام حاكماً, كما في عهد الرسول (صلى الله عليه واله), الى ان وصل الحكم الى الإمام علي(عليه السلام), الذي يرددون أقواله ويتخذونها في بعض الأحيان شعارات ومنها قوله في المساواة والعدالة : (الناس صنفان إما اخٌ لك في الدين او نضيرٌ لك في الخلق), فمن أين جاءت فكرة حصر الدين على العبادات؟! هل هم القائمون او الناطقون الرسميون باسم الدين حتى يروجوا لهذا المعنى؟! ومن خولهم بالقول عن الدين؟! أليس هذا خلاف ما يدعونه من عدالة؟!, والحقيقة أنهم أرادوا إبعاد الاسلام عن مجال التطبيق.
إخواني أخواتي لابدّ لنا من الانتباه والتدقيق بكل ما يبثونه وينشرونه بيننا؛ نعم قد تلائمهم اللادينية وتوافق طبع مجتمعاتهم, لكن لا تلائم مجتمعاتنا نحن؛ إذ لكل أمة حضارتها وقيمها ومبادئها, فنحن نعتقد بالآخرة والبعث والجنة والنار والحساب, ونعتقد ان القرآن دستور الحياة على مر العصور والأجيال.
إذن علينا أن نكون واعين أكثر في عقيدتنا ونطلع أكثر على ديننا حتى نستطيع ردّ هذه الدعوى الزائفة؛ وذلك بالقراءة والمطالعة, حتى لا نكون ممّن: ((خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين)) [الحج:11].

نشرت في الولاية العدد 114

مقالات ذات صله